صفحة رقم ٢٥٠
تحقيقاً له وإبلاغاً في التعريف بمقدار بعد الأقصى فقال :( جاءها ) أي القرية لإنذار أهلها ) المرسلون ) أي عن الله لكونهم عن رسوله عيسى عليه السلام أرسلهم بأمره لإثبات ما يرضيه سبحانه ونفي ما يكرهه الذين هم من جملة من قيل في فاطر إنهم جاؤوا بالبينات وبالزبر، والتعريف إما لكونهم يعرفون القرية ويعرفون أمرها، وإما لأنه شهير جداً فهم بحيث لو سألوا أحداً من أهل الكتاب الذين يعتنون بها اخبرهم به، لأنه قد عهد منهم الرجوع إليهم بالسؤال ليبينوا لهم - كما زعموا - مواضع الإشكال.
ولما كان أعظم مقاصد السياق تسلية النبي ( ﷺ ) في توقفهم عن المبادرة إلى الإيمان به مع دعائه بالكتاب الحكيم إلى صراط المستقيم، وكان في المشاركة في المصائب أعظم تسلية، أبدل من قوله ) إذ جاءها ( تفصيلاً لذلك المجيء قوله، مسنداً إلى نفسه المقدس لكونه أعظم في التسلية :( إذ أرسلنا ) أي على ما لنا من العظمة.
ولما كان المقصود بالرسالة أصحابها قال :( إليهم اثنين ) أي ليعضد أحدهما الآخر فيكون أشد لأمرهما فأخبراهم بإرسالها إليهم كأن قالا : نحن رسولان إليكم لتؤمنوا بالله ) فكذبوهما ) أي مع ما لهما من الآيات، لأنه من المعلوم أنا ما أرسلنا رسولاً إلا كان معه من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، سواء كان عنا من غير واسطة أو كان بواسطة رسولنا، كما كان للطفيل بن عمرو الدوسي ذي النور لما ذهب إلى قومه وسأل النبي ( ﷺ ) أن تكون آية فكانت نوراً في جبهته، ثم سأل في غير وجهه فكانت في سوطه.
ولما كان التضافر على الشيء أقوى لشأنه، وأعون على ما يراد منه، سبب عن ذلك قوله حاذفاً المفعول لفهمه من السياق، ولأن المقصود إظهار الاقتدار على إيقاع الفعل وتصريفه في كل ما أريد له :( فعززنا ) أي فأوقعنا العزة، وهي القوة والشدة والغلبة، لأمرنا أو لرسولنا بسبب ما وقع لهما من الوهن بالتذكيب فحصل ما أردنا من العزة - بما أشارت إليه قراءة أبي بكر عن عاصم بالتخفيف ) بثالث ( أرسلناه بما أرسلناهما به ) فقالوا ) أي الثلاثة بعد أن أتوهم وظهر لهم إصرارهم على التكذيب، مؤكدين بحسب ما رأوا من تكذيبهم :( إنا إليكم ) أي لا إلى غيركم ) مرسلون قالوا ) أي أهل القرية :( ما أنتم ) أي وإن زاد عددكم ) إلا ( ولما نقض الاستثناء النفي زال شبهة ما تلبس فزال عملها فارتفع قوله :( بشرمثلنا ) أي فما وجه الخصوصية لكم


الصفحة التالية
Icon