صفحة رقم ٢٧٠
ما في شي ما.
ولما كانت المجازاة بالجنس أدل على القدرة وأدخل في العدل، قال محققاً بالخطاب والجمع أن المنفي ظلمه كل من يصلح للخطاب لئلا يقع في وهم أن المنفي ظلمه نفوس مخصوصة أو نفس واحد :( ولا تجزون ) أي على عمل من الأعمال شيئاً من الجزاء من أحد ما ) إلا ما كنتم تعملون ( ديدناً لكم بما ركز في جبلاتكم.
ولما قرر أن الجزاء من جنس العمل، شرع في تفصيله، وبدأ بأشراف الحزبين في جواب من سأل عن هذا الجزاء فقال مؤسفاً لأهل الشقاء بالتذكير بالتأكيد بما كان لهم من الإنكار في الدنيا وإظهار للرغبة في هذا القول والتجح به لما له من عظيم الثمرة :( إن اصحاب الجنة ) أي الذين لا حظ للنار فيهم، وكرر التعبير باليوم تعظيماً لشأنه وتهويلاً لأمره على إثر نفختيه المميتة والمقيمة بذكر بعض ثمراته، وجمل من عظائم تأثيراته، فقال :( اليوم ) أي يوم البعث، وهذا يدل على أنه يعجل دخولهم أو دخول بعضهم إليها ووقوف الباقين للشفاعة ونحوها من الكرامات عن دخول أهل النار النار، وعبر بما يدل على أنهم بكلياتهم مقبلون عليه ومظروفون له مع توجههم إليه فقال :( في شغل ) أي عظيم جداً لا تبلغ وصفه العقول كما كانوا في الدنيا في أشغل الشغل بالمجاهدات في الطاعات.
ولما تاقت النفوس إلى تفسير هذا الشغل قال :( فاكهون ) أي لهم عيش المتفكة، وهو الأمن والنعمة والبسط واللذة وتمام الراحة كما كانوا يرضوننا بإجهاد أنفسهم وإتعابها وإشقائها وإرهابها، وقراءة أبي جعفر بحذف الالف أبلغ لأنها تدور على دوام ذلك لهم وعلى أنهم في أنفسهم في غاية ما يكون من خفة الروح وحسن الحديث.
ولما كانت النفس لا يتم سرورها إلا بالقرين الملائم قال :( هم ) أي بظواهرهم وبواطنهم ) وأزواجهم ) أي أشكالهم الذين هم في غاية الملاءمة كما كانوا يتركونهم في المضاجع على ألذ ما يكون، ويصفون أقدامهم في خدمتنا وهم يبكون ) في ظلال ) أي يجدون فيها برد الأكابد وغاية المراد، كما كانوا يشوون أكبادهم في دار العمل بحر الصيام، وتجرع مرارات الأوام، والصبر في مرضاتنا على الآلام، ويقرون أيديهم وقلوبهم عن الأموال، ببذل الصدقات في سبلنا على مر الأيام وكر الليال، وقراءة حمزة والكسائي بضم الظاء وحذف الألف على أنه أشد امتداداً، ويدل اتفاقهما في الجمع على أن الظل فيها مختلف باختلاف الأعمال.
ولما كان التمتع لا يكمل إلا مع العلو الممكن من زيادة العلم الموجب لارتياح


الصفحة التالية
Icon