صفحة رقم ٢٧٨
وكان من المعلوم أن الأنبياء عليهم السلام تظهر عليهم غرائز العلوم والحكم وغير ذلك مما يجزيه الله على أيديهم، ولا ينقص شيء من قواهم بل تزاد كما روي أن النبي ( ﷺ ) كان يمشي غير مكترث، وأن الصحابة رضي الله عنهم ليجهدون أنفسهم، فيكون جهدهم أن يدركوا مشية الهوينا، وأنه صارع ركانة الذي كان يضرب بقوته المثل، وكان واثقاً من نفسه بأنه يصرع من صارعه، فلم يملكه النبي ( ﷺ ) نفسه، وعاد إلى ذلك ثلاث مرات، كل ذلك لا يستمسك في يده حتى شرع يقول : أن هذا لعجب يا محمد أتصرعني، وحتى أنه دار على نسائه - وهن تسع - كل واحدة منهن تسع مرات في طلق واحد إلى غير ذلك مما يحكى من قواه التي فاق بها الناس، ولم يحك عن نبي من الأنبياء ممن عاش منهم ألفاً ومن عاش دون ذلك أنه نفص شيء من قواه، بل قد ورد في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن ملك الموت عليه السلام أرسل إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه فلما جاءه صكه ففقأ عينه فقال لربه : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال : ارجع إليه فقل له : يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة، قال : أي رب ثم ماذا ؟ قال : الموت، قال فالآن.
وفي آخر التوارة : وقضى عبد الله موسى بأرض موآب بأمر الرب، فدفن حذاء بيت فاغورا، ولم يعرف أحد أين قضى إلى يومنا هذا، وكان موسى يوم قضي ابن مائة وعشرين سنة، لم يضعف سني الوقوف في الغرائز والضعف في القوى خرقاً للعادة إكراماً لهم وتنبيهاً للناس على صدقهم، علم من العطف على غير معطوف عليه ظاهر ومن الإيتان بضميره ( ﷺ ) من غير تقدم ذكر له أن التقدير : لكن نبينا ( ﷺ ) عمرناه وما نكسناه بل منحناه غرائز من الفضائل عجز عنها الأولون والآخرون، فأتى بقرآن أعجز الإنس والجن، وعلوم وبركات فاتت