صفحة رقم ٢٨٤
ولما كان للنصر سببان : ظاهري وهو الاجتماع، وأصلي باطني وهو الإله المجتمع عليه، بين غلطهم بتضييع الأمل، فقال مستأنفاً في جواب من كأنه قال : فهل بلغوا ما أرادوا ؟ :( لا يستطيعون ) أي الألهة المتخذة ) نصرهم ) أي العابدين ) وهم ) أي العابدون ) لهم ) أي الآلهة ) جند ( ولما كان الجند مشتركاً بين العسكر والأعوان والمدينة، عين المراد بضمير الجمع ولأنه أدل على عجزهم وحقارتهم فقال :( محضرون ) أي يفعلون في الاجتماع إليها والمحاماة عنها فعل من يجمعه كرهاً إيالة الملك وسياسة العظمة، فصارت العبرة بهم خاصة في حيازة السبب الظاهري مع تعبدهم للعاجز وذلهم للضعيف الدون مع ما يدعون من الشهامة والأنفة والضخامة، فلو جمعوا أنفسهم على الله لكان لهم ذلك، وحازوا معه السبب الأعظم.
ولما بين ما بين من قدرته الباهرة، وعظمته الظاهرة، وهي أمرهم في الدنيا والآخرة، وكان قد تقدم ما لوم إلى أنهم نسبوه ( ﷺ ) إلى الشعر، وصرح باستهزائهم بالوعد مع ما قبل ذلك من تكذيبهم وإجابتهم للمؤمنين من تفسفيههم وتضليلهم، سبب عن ذلك بعد ما نفى عنهم النصرة قوله تسلية له ( ﷺ ) :( فلا يحزنك ( قراءة الجماعة بفتح اليائ وضم الزاي، ومعناه : يجعل فيك، وقراءة نافع بضم الياء وكسر الزاي تدل على أن المنهي عنه إنما هو كثرة الحزن والاستغراق فيه، لا ما يعرض من طبع البشر من أصله، فإن معنى أحزن فلاناً كذا، أي جعله حزيناً ) قولهم ) أي الذي قدمناه تلويحاً وتصريحاً وغير ذلك فيك وفينا ولما كان علم القادر بما يعمل عدوه سبباً لأخذه، علل ذلك بقوله مهدداً بمظهر العظمة :( إنا نعلم ما ) أي كل ما ) يسرون ) أي يجددون إسراره ) وما يعلون ) أي فنحن نجعل ما يسببونه لأذاك سبباً لأذاهم ونفعك إلى أن يصيروا في قبضتك وتحت قهرك وقدرتك.
يس :( ٧٧ - ٧٨ ) أو لم ير.....
) أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مٌّبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ( ( )
ولما أثبت سبحانه بهذا الدليل قدرته على ما هدد به أولاً من التحويل من حال إلى أخرى، فثبتت بذلك قدرته على البعث، وختم بإحاطة العلم الملزوم لتمام القدرة، أتبع ذلك دليلاً أبين من الأول فقال عاطفاً على ) ألم يروا ( :( أولم ير ) أي يعلم علماً هو في ظهوره كالمحسوس بالبصر.
ولما كان هذا المثل الذب قاله هذا الكافر لا يرضاه حمار لو نطق، أشار إلى غباوته بالتعبير بالإنسان الذي هو - وإن كان أفطن المخلوقات لما ركب فيه سبحانه من


الصفحة التالية
Icon