صفحة رقم ٢٩٠
استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا ( ) ٧
[ الرحمن : ٣٣ ] فماج العباد بعضهم في بعض من شدة الزحام، وطول القيام، كلما مالوا على جهة من جهاتهم زجروهم زجراً ردوهم به عن النفوذ، مع أن انتظام المدبرات الناشئ عن اصطفافهم في التدبير في طاعة الملك القدير دال على الوحدانية، قال تعالى :( والصافات ) أي الجماعات من الملائكة والمصلين والمجاهدين المكملين أنفسهم بالاصطفاف في الطاعة، فهو صفة لموصوف محذوف مؤنث اللفظ، وعدل عن أن يقول :( الصافين ) القاصر على الذكور العقلاء ليشمل الجماعات من الملائكة والجن والإنس والطير والوحش وغيرها، إشارة إلى أنه لا يؤلف بين شيء منها ليتحد قصده إلا واحد قهار، وأنه ما اتحد قصد شيء منها إلا استوى صفة، ولا اعتدل صفة إلا اتحد زجره وهو صياحه، ولا اتحد زجره إلا اتحد ما يذكره بصوته، ولا اتحد منه ذلك إلا نجح قصده واتضح رشده بدليل المشاهدة، وأدلها أن الصحابة رضي الله عنهم لما اتحد قصدهم في إعلاء الدين وهم أضعف الأمم وأقلها عدداً لم يقم لهم جمع من الناس الذين لا نسبة لهم إليهم في قوة ولا كثرة، ولم ينقص صفهم، وجرح القلوب وأبارها زجرهم، وشرح الصدور وأنارها ذكرهم، كما اشار إليه تعالى آخر هذه السورة بقوله ) وإن جندنا لهم الغالبون ( وكذا غير الآدميين من الحيوانات كما يرى من الفار والجراد إذا أراد الله تعالى اتحاد قصده في شيء فإنه يغلب فيه من يغالبه، ويقهر من يقاويه أو يقالبه، فبان أن الخير كله ما أريد بالقسم، واتحد جداً بالمقسم عليه والتأم والتحم به أي التحام، وانتظم معناهما كل الانتظام.
ولما كان التأكيد بالمصدر أدل على الوحدة المرادة قال :( صفاً ( وهو ترتيب الجمع على خط.
ولما كان توحد القصد موجباً للقوة المهيئة للزجر، وكان تكميل الغير مسبباً عن تكميل النفس، ومرتباً عليه، وأشرف منه لو تجرد عن التكميل، وكان التكميل إنما يتم أمره ويعظم أثره مع الهيبة ( فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ) قال عاطفاً بالفاء :( فالزاجرات ) أي المنتهرات عقب الصف كل من خرج عن أمر الله ) زجراً ) أي انتهاراً بالمواعظ وغيرها تكميلاً لغيرهم.