صفحة رقم ٣٠٩
المجنون تخليط، كان كأنه قال في جوانهم : إنه لم يجئ بشرع ولا جنون :( بل حياء بالحق ) أي الكامل في الحقية.
ولما كان ما جاء به أهلاً لكونه حقاً لأن يقبل وإن خالف جميع أهل الأرض، وكان موافقاً مع ذلك لمن تقرر صدقهم واشتهر اتباع الناس لهم، فكان أهلاً لأن يقبله هؤلاء الذين أنزلوا أنفسهم عن أوج معرفة الرجال بالحق إلى حضيض معرفة الحق على زعمهم بالرجال، فكان مآل أمرهم التقليد قال :( وصدق المرسلين ) أي الذين علم كل ذي لب أنهم أكمل بدور أضاء الله بهم الإكوان في كل أوان، وتقدم في آخر سورة فاطر أنهم عابوا من كذبهم ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم أحد منهم ليؤمنن به فكذبوا ( بأن كذبوا سيدهم بهذا الكلام المتناقض.
الصافات :( ٣٨ - ٤٥ ) إنكم لذائقوا العذاب.....
) إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو الْعَذَابَ الأَلِيمِ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ ( ( )
ولما وصلوا إلى هذا الحد من الطغيان، والزور الظاهر والبهتان، تشوف السامع إلى جزائهم فاستأنف الإخبار بذلك مظهراً له في أسلوب الخطاب إيذاناً بتناهي الغضب، فقال في قالب التأكيد نفياً لما يترجمونه من العفو بشفاعة من ادعوا أنهم يقربونهم زلفى، ووعظاً لهم ولأمثالهم في الدنيا فيما ينكرونه حقيقة أو مجازاً :( إنكم ) أي أيها المخاطبون على وجه التحقير المجرمين ) لذائقوا ) أي بما كنتم تضيقون أولياء الله ) العذاب الأليم ( ولما كان سبحانه الحكم العدل فلا يظلم أحداً مثقال ذرة فلا يزيد في جزائه شيئاً على ما يستحق مع أن له أن يفعل ما يشاء ولا يكون فعله - كيفما كان - إلا عدلاً قال :( ما ) أي والحال أنكم ما ) تجزون ) أي جزءاً من الجزاء ) إلا ما ) أي مثل ما.
ولما كانوا مطبوعين على تلك الخلال السيئة، بين أنها كانت خلقاً لهم لا يقدرون على الانفكاك عنها بالتعبير بأداة الكون فقال :( كنتم تعملون ( نفياً لوهم من قد يظن أنهم فعلوا شيئاً بغير تقديره سبحانه.
ولما كان في المخاطبين بهذا من علم الله أنه سيؤمن، و استثنى من واو ( ذائقوا ) قوله مرغباً لهم في الإيمان مشيراً إلى أنهم لا يحملهم على الثبات على ما هم عليه من الضلال إلا غش الضمائر بالرياء وغيره، فهو استثناء متصل بهذا الاعتبار الدقيق :( إلا عباد الله ( فرغبهم بوصف العبودية الذي لا أعز منه، وأضافهم زيادة في الاستعطاف إلى الاسم الأعظم الدال على جميع صفات الكمال،


الصفحة التالية
Icon