صفحة رقم ٣٤١
يونس ) أي أحد أنبياء بني إسرائيل وهو يونس بن متى عليه السلام، حكى البغوي في قصة إلياس عليه السلام أنه لما أرسله الله تعالى إلى سبطه من بني إسرائيل الذين كانوا في مدينة بعلبك، فكذبوه وأراد ملكهم قتله فاختفى في تلك الجبال، اشتاق إلى الناس فنزل فمكث عن امرأة من بني إسرائيل وهي أم يونس بن متى عليه السلام، وكان يونس إذ ذاك رضيعاً ثم رجع إلى الجبال فمات يونس عليه السلام، فأتت أمه إلى تلك الجبال، فما زالت تطوف حتى ظفرت بإلياس عليه السلام، فسألته أن يدعو لابنها فيحييه الله، فقال لها : إني لم أومر بهذا، وإنما أنا عبد مأمور، فجزعت فزاد جزعها وتضرعها إليه، فرق لها ورحمها وسار معها فوصل إلى بيتها بعد أربعة عشر يوماً من حين مات، وهو مسجى في ناحية البيت، فدعا الله فأحياه لها، وعاد إلياس عليه السلام إلى جبله ) لمن المرسلين (.
ولما كان من أعظم المقاصد التسلية على استكبارهم عن كلمة التوحيد وقولهم : أنه شاعر مجنون، ذكر من أمر يونس عيله السلام ما يعرف منه صعوبة أمر الرسالة وشدة خطبها وثقل أمرها وشدة عنايته سبحانه بالرسل عليهم السلام وأنه ما اختارهم إلا عن علم فهو لا يقولهم وإن اجتهدوا في دفع الرسالة ليزدادوا ثباتاً لأعبائها وقوة في القيام بشأنها فقال :( إذ أبق ) أي هرب حين أرسل من سيده الذي تشرفه الله بالرسالة ضعفاً عن حملها لأن الاباق الهرب من السيد إلى حيث يظن أنه يخفى عليه ) إلى الفلك ) أي البيت الذي يسافر فيه على ظهر البحر.
ولما كان فعله على صورة فعل المشاحن وكان قصده الإيغال في البعد والإسراع في النقلة قال :( المشحون ) أي الموقر ملأ، فلا سعة فيه لشيء آخر يكون فيه، فليس لأهله حاجة في الإقامة لحظة واحدة لانتظار شيء من الأشياء فحين وضع رجله فيه ساروا، فاضطرب عليهم الأمر وعظم الزلزال حتى أشرف مركبهم على الغرق على هيئة عرفوا بها أن ذلك لعبد أبق من سيده، فإن عند أهل البحر أن السفينة لا يستقيم سيرها وفيها آبق - نقله الكرماني وغيره عن ابن عباس رضي الله الله عنهما، فسبب لهم ذلك المساهمة أي المقارعة كما هو رسمهم في مثل ذلك الأمر فاستهموا فساهم، أي قارع يونس عليه السلام معهم قال البغوي : والمساهمة إلقاء السهام على جهة القرعة.
ولما آل وقوع القرعة عليه إلى رميه من السفينة من محل علو إلى أسفل، عبر عن ذلك بما يدل على الزلق الذي يكون من علو إلى سفل فقال مسبباً عن المساهمة :( فكان من المدحضين ) أي الموقعين في الدحض، وهو الزلق، فنزل عن مكان الظفر بأن وقعت القرعة فرموه في البحر ) فالتقمه ) أي ابتلعه كما تبتلع اللقمة ) الحوت ) أي المعروف من جهة أنه لا حوت أكبر منه، فكأنه لا حوت غيره ) وهو ) أي والحال أن يونس عليه السلام ) مليم ) أي داخل في الملامة.