صفحة رقم ٣٤٧
وأما العقل فإنه لا مدخل له في ذلك، قال معلماً بأنهم أهل لأن يبكتوا ويستهزأ بهم لأنه لا علم عندهم بإحدى الطريقين، ولا يقدرون أن يدعوا ذلك لئلا يفتضحوا فضيحة لا تنجبر أصلاً، عائداً إلى التصريح بمظهر العظمة التي إن لم يقتض اختيار الأكمل لم يقتض الاختصاص بالأدون لأنها منافية بكل اعتبار للدناءة ) الملائكة ) أي الذين حكموا عليهم بالأنوثة، وهم من أعظم رسلنا وأجل خواصنا ولم يروا منهم أحداً ولا سبيل لهم إلى العلم بأحوالهم باعترافهم بذلك، ولما تعين أن المراد بالأنوثة الخساسة، وكان في بعض الإناث قوة الذكور، عبر بالأنوثة إلزاماً لهم في حكمهم ذلك بخساستين فقال :( إناثاُ وهم ) أي والحال ان هؤلاء الذين ينسبون إلى الله ما لا يليق به ) شاهدون ) أي ثابت لهم شهود ذلك لا يغيبون عنه، فإنا كل يوم نجدد منهم من شئنا، قال الرازي : وكل واحد من الملائكة نوع برأسه، أما الآدميون فكلهم نوع واحد، وهو ناقص في ابتداء الفطرة، مستكمل، وله درجات في الترقي إلى أن يبلغ مقام المشاهدة، وهم أن تتجلى له حلية الحق الأول من ذاته وصفاته وترتيب أفعاله علماً لا ينفصل عنه ولا يغيب فيترقى في إدراكه عن المحسوسات والخيالات، ويترقى فعله على أن يكون لمقتضى الغضب أو الشهوة، وبهذا يقرب من الله تعالى - انتهى.
ولما اشتد تشوف السامع إلى أن يعلم حقيقة قولهم الذي تسبب عنها هذا الاستفتاء أعلم سبحانه بذلك في قوله مؤكداً إشارة إلى أنه قول لا يكاد أن لا يقر أحد أن قاله، معجباً منهم فيه منادياً عليهم بما أبان من فضيحتهم بما قدم من استفتائهم :( إلا أنهم من إفكهم ) أي من أجل أن صرفهم الأمور عن وجوها عادتهم ) ليقولون ) أي قولاً هم مستمرون عليه وإن كانوا لا يقدرون على إبرازه في مقام المناظرة، وعدل عن مظهر العظمة إلى إسم الجلالة العلم على الذات الجامعة لجميع الصفات إشارة إلى أن كل صفة من صفاته ونعت من نعوته يأبى الولدية فقال :( ولد الله ) أي وجد له - وهو المحيط بصفات الكمال - ولد هم على صفة الأنوثة أي أتى بالولد، فولد فعل ماض والجلالة فاعل، وقرئ شاذاً برفع ( ولد ) على أنه خبر مبتدأ محذوف، وجر الجلالة بالإضافة، والولد فعل بمعنى مفعول كالقبض، فلذلك يخبر به عن المفرد وغيره والمؤنث وغيره.
ولما أتى سبحانه بالاسم الأعظم إشارة إلى عظيم تعاليه عن ذلك، صرح به في قوله دالاً على الثبوت مؤكداً لأجل دعواهم أنهم صادقون :( وإنهم لكاذبون ( ودل على كذبهم أيضاً بإنكاره موبخاً لهم في أسلوب الخطاب زيادة في الإغضاب في قوله :