صفحة رقم ٣٦٧
أسباب الهلاك، قال مؤكداً بأنواع التأكيد :( إن ) أي ما ) كل ( من هذه الفرق كان لهلاكه سب من الأسباب ) إلا ( أنه ) كذب الرسل ) أي كلهم بتذكيب رسوله، فإن من كذب رسولاً واحداً مع ثبوت رسالته فقد استهان بمن أرسله، وذلك ملزوم لتكذيب جميع من يرسله لتساوي أقدام المعجزات التي ثبتت رسالتهم بها في إيجاب التصديق ) فحق ) أي فتسبب عن ذلك التكذيب أنه حق ) عقاب ) أي ثبت عليه فلم يقدر على التخلص منه بوجه من الوجوه والعدول إلى إفراد الضمير مع أسلوب التكلم لأن المقام للتوحيد كما مضى وهو أنص على المراد، وتقدم السر في حذف الياء رسماً في جميع المصاحف، وقراءة عند أكثر القراء وفي إثباتها في الحالين ليعقوب وحده.
ولما كان السياق للشقاق والإذعان للذكر الذي هو الموعظة ذات الشرف :
ولا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم
كان الحال مقتضياً للعقوبة بخلاف ما في ( ق ) فإن السياق لإنكارهم البعث وصحة النذارة وإثبات المجد، فكان الوعيد في ذلك كافياً.
ولما كان التقدير : فلقد أعقبنا كلاًّ من أولئك الأحزاب لما حق عليهم العقاب بنوع من الأنواع لا شك فيه عند أحد ولا ارتياب، عطف عليه قوله :( وما ( ولما كانت قريش في شدة العناد والتصميم على الكفر والاستكبار عن الإذعان للحق وتعاطي الجميع أسباب العذاب كأنهم ينتظرونه ويستعجلونه، عبر بما يدل على الانتظار.
ولما كانوا لمعرفتهم بصدق الآتي إليهم والقطع بصحة ما يقول كأنهم يرون العذاب ولا يرجعون، جرد فعل الانتظار فقال :( ينظر ( وحقرهم بقوله :( هؤلاء ) أي الذين أدبروا عنك في عزة وشقاق، وغاية جهدهم أن يكونوا من الأحزاب الذين تحزبوا على جندنا فأخذناهم بما هو مشهور من وقائعنا ومعروف من أيامنا بأصناف العذاب، ولم تغن عنهم كثرتهم ولا قوتهم شيئاً ولم يضر جندنا ضعفهم ولا قلتهم ) إلا صيحة ( وحقر أمرهم بالإشارة إلى أن أقل شيء من عذابه كافٍ في إهلاكهم فقال ) واحدة ( ولما كان السياق للتهديد فعلم به أن الوصف بالوحدة للتعظيم، بينه بقوله :( ما لها ) أي الصيحة ) من فواق ) أي مزيد أيّ شيء من جنسها يكون فروقها، بقال : فاق أصحابه فوقاً وفواقاً، علاهم، وقرأه حمزة بالضم فيكون كناية عن سرعة الهلاك بها من غير تأخر اصلاً، فإن الفواق كغراب ما يأخذ المحتضر عند النزاع، والمعنى أنه لا يحتاج في إهلاكهم إلى زيادة على الصيحة الموصوفة لأنه لا صيحة فوقها، ففي ذلك تعظيم أقل شيء من عذابه وتحقير أعلى شيء من أمرهم ويجوز أن تكون القرءاتان من فواق الحلب، قال الصغائي : والفوق والفواق أي بالضم والفتح : ما بين الحلبتين من الوقت لأنها تحلب ثم تترك