صفحة رقم ٣٧٥
ولما أتم ذلك ذهب الداخلون عليه فلم ير منهم أحداً فوقع في نفسه أنه لا خصومة، وأنهم إنما أرادوا أن يجربوه في الحكم ويدربوه عليه، وأنه يجوز للشخص أن يقول ما لم يقع إذا انبنى عليه فائدة عظيمة تعين ذلك الكلام طريقاً للوصول إليها أو كان أحسن الطرق مع خلو الأمر عن فساد، وحاصله أنه تذكر كلام، والمراد به بعض لوازمه، فهو مثل دلالة التضمن في المفردات، وهذا مثل قول سليمان عليه السلام ( ائتوني بالسكين أشقه بينهما ) وليس مراده إلا ما يلزم عن ذلك من معرفة الصادقة والكاذبة بإباء الأم لذلك وتسليم المدعية كذباً، وتحقيقه أنه لا ملازمة بين الكلام وإرادة المعنى المطابقى لمفردات ألفاظه بدليل لغوو اليمين، وقول النبي ( ﷺ ) لصفية رضي الله عنها ( عقرى حلقى ) ولأم سلمة رضي الله عنها ( تربت يمينك ) وقوله ( ﷺ ) ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد ) مشير إلى أن الكلام قد لا يراد به معناه، ومن هنا كان الحكم في ألفاظ الكنايات أنه لا يقع بها شيء إلا إن اقترن بقصد المعنى، ولما كان هذا القدر معلوماً عطف عليه قوله :( وظن داود ) أي بذهابهم قبل فصل الأمر وقد دهمه من ذلك أمر عظيم من عظمة الله لا عهد له بمثله ) إنما فتناه ) أي اختبرناه بهذه الحكومة في الأحكام التي يلزم الملوك مثلها ليتبين أمرهم فيها.
وعلم أنه بادر إلى نسبة المدعى عليه إلى أنه ظلم من قبل أن يسمع كلامه ويسأله المدعي الحكم، فعاتبه الله على ذلك، والأنبياء عليهم السلام لعلو مقاماتهم يعاتبون على مثل هذا، وهو من قصر الموصوف على الصفة قلباً، أي هذه القصة مقصورة على الفتنة لا تعلق لهم بالخصوصة، ولو كان المراد ما قيل من قصة المرأة التي على كل مسلم تنزيهه وسائر إخوانه عليهم السلام عن مثلها لقيل ( وعلم داود ) ولم يقل : وظن - كما يشهد بذلك كل من له أدنى ذوق في المحاورات - والله الموفق، وقال الزمخشري : وعن سعيد بن المسيب والحارث الأعور أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : من حدثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين، وهو حد الفرية على الأنبياء عليهم السلام، وروي أنه حدث بذلك عمر بن عبد العزيز، وعنده رجل من أهل الحق، فكذب المحدث به


الصفحة التالية
Icon