صفحة رقم ٤١٤
الحكم الجازم الذي لا مرد له :( إنا ) أي على ما لنا من العظمة ) أنزلنا ) أي بما لنا من العظمة، وقرن هذه العظمة بحرف الغاية المقتضي للواسطة إشارة إلى أن هذا كان في البداية بدلالة اتباعه بالأمر بالعبادة، بخلاف ما يأتي في هذه السورة فإنه للنهاية بصيرورته خلقاً له ( ﷺ )، فكان بحرف الاستعلاء أنسب دلالة على أن ثقله الموجب لتفطر القدم وسبب اللمم خاص به ( ﷺ )، ومن قرب منه ويسره وسهولته لأمته فقال :( إليك ) أي خاصة بواسطة الملك، لا يقدر أحد من الخلق أن يدعي مشاركتك في شيء من ذلك، فتكون دعواه موجبة لنوع من اللبس، وأظهر موضع الإضمار تفخيماً بالتنبيه على ما فيه من جمع الأصول والفروع واللطائف والمعارف ) الكتاب ) أي الجامع لكل خير مع البيان القاطع والحكم الجازم بالماضي والآتي، والكائن، متلبساً ) بالحق ( وهو مطابقة الواقع لجميع أخباره، فالواقع تابع لأخباره، لا يرى له خبر إلا طابقه مطابقة لاخفاء بشيء منها، لا حيلة له ولا لباس إلا الحق، فلا دليل على كونه من عنده من ذلك، فليتبعوا خبره، ولينظروا عينه وأثره.
ولما ثبت بهذا أنه خصه سبحانه بشيء عجز عنه كل أحد، ثبت أنه سبحانه الإله وحده، فتسبب عن ذلك قوله لفتاً للقول عن مظهر العظمة إلى أعظم منه بلخط جميع صفات الكمال لأجل العبادة تعظيماً لقدرها لأنها المقصود بالذات :( فاعبد الله ) أي الحائز لجميع صفات الكمال حال كونك ) مخلصاً ( والإخلاص هو القصد إلى الله بالنية بلا علة ) له ) أي وحده ) الدين ( بمعانقة الأمر على غاية الخضوع لأنه خصك بهذا الأمر العظيم فهو أهل منك لذلك وخساً عنك الأعداء، فلا أحد منهم يقدر على الوصول إليك بما يوهن شيئاً من أمرك فأخلص لتكون رأس المخلصين الذين تقدم آخر سورة ص انه لا سبيل للشيطان عليهم وتقدم ذكر كثير من رؤوسهم، ووقع الحث على الاقتداء بهم بما ذكر من أمداحهم لأجل صبرهم في إخلاصهم، قال الرازي : قال الجنيد : الإخلاص أصل كل عمل وهو مربوط بأول الأعمال، وهو تصفية النية ومنوط بأواخر الأعمال بأن لا يلتفت إليها ولا يتحدث بها ويضمر في جميع الأحوال، وهو إفراد الله بالعمل، وفي الخبر ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ).
ولما أمره سبحانه بهاذ الأمر، نادى باستحقاقه لذلك وأنه لم يطلب غير حقه، وأن ذلك لا يتصور أن يكون لغيره، فقال في جواب من كأنه قال : لم منعه من الالتفات إلى غيره ؟ منادياً إشارة إلى أنه لا مكافئ له فلا يسع أحداً يبلغه هذا النداء إلا الخضوع طائعاً أو كارهاً :( إلا الله ) أي الملك الأعلى وحده ) الدين الخالص ( لأنه له الأمر والخلق لا يشركه فيه أحد، فكما تفرد بأن خلقك وخلق كل ما ما لك من شيء فكذلك