صفحة رقم ٤١٥
ينبغي أن تفرده بالطاعة، ولأنه إذا عبده أحد مخلصاً كفاه كل شيء، وأما غيره فلو أخلص له أحد لم يمكن أن يكفيه شيئاً من الأشياء فضلاً عن كل شيء والدين الذي هو أهل للإخلاص هو الإسلام الذي كان في كل ملة المنبني على القواعد الخمس المثبتة بالإخلاص المحض الناشئ من المراقبة في الأوامر والنواهي وجميع ما يرضي الشارع للدين أو يسخطه، فتكون جملته لله من غير شهوة ظاهرة أو باطنة في شهرة ولا غيرها، وإنما استحقه سبحانه دون غيره لأنه هو الذي شرعه ولا أمر لأحد معه فكيف يشركه من لا أمر له بوجه من الوجوه، وأما ما كان فيه أدنى شرك فهو رد على عامله والله غني حميد، وهذه كما ترى مناداة لعمري تخضع لها الأعناق فتنكس الرؤوس ولا يوجد لها جواب إلا بنعم وعزته وأي وكبريائه وعظمته، قال القشيري : وما للعبد فيه نصيب فهو عن الإخلاص بعيد اللهم إلا أن يكون بأمره فإنه إذا أمر العبد أن يحتسب الأجر على طاعته فأطاعه لا يخرج عن الاحتساب باحتسابه أمره فيه، ولولا هذا لما صح أن يكون في العالم مخلص، قال ابن برجان : وذلك أي ترك الإخلاص كله مولد عن حب البقاء في الدنيا ونسيان لقاء الله تعالى، ثم قال ما معناه : إن ذلك من الشرك، وهو ثلاثة أنواع : شرك في الإلهية وهو أن يرى مع الله إلهاً آخر، وهو شرك المجوس والمجسمة : والوثنية، ويضاهيه غلط القدرية، الثاني شرك في العبادة بالرياء وإضافة العمل إلى النفس، والثالث الشرك الخفي وهو الشهوة الخفية، وهو أن يخفي العمل ويخاف من إظهار ويحب لو اطلع عليه ومدح بأسراره، ومن أحسن العون على الإخلاص الحياء من الله أن تتزين لغيره بعمل إلهمك إياه وقواك عليه وخلت فيه وزعمت تطلب التقرب إليه فأتاك عدوه إبليس الذي عاداه فيك فتطيعه فيما يضرك ولا ينفعك، فاستعن على عبادتك بالستر فاستر حسناتك كما تستر سيئاتك، فإن عمل السر يزيد على عمل العلانية سبعين ضعفاً، وذلك كالشجرة إذا ظهرت عروقها ضعف شربها، وأضر بها حرارة الهواء وبرده، وتعرضت للآفات من قطع ويبس وغير ذلك ولم تحسن فروعها وخف ورقها فقل نفعها، وإذا غاصت عروقها غابت عن الآفات وأمنت القطع من أيدي الناس، فكثر شربها فجرى ماؤها فيها، فتزايدت لذلك فروعها واخضر ورقها وكثر خيرها وطاب ثمرها لجانيها، فكذلك العمل إذا كانت له أصول في القلب مستورة زكا في نفسه وطهر من الأدناس وكثر خيره وطاب ثوابه لعامله، وإذا بدا لم يؤمن عليه من أبصار الناظرين، وإذا خفي لم يبق ما يخاف منه إلا العجب ومحبة أن يطلع عليه، وهي الشهوة الخفية، ومن قولهم ( من عرف الله بعد الضلالة وعرف الإخلاص بعد الرياء وأنزل الموت حق منزلته لم يغفل عن الموت والاستعداد له بما أمكنه ) انتهى.


الصفحة التالية
Icon