صفحة رقم ٤١٦
ولما أخبر سبحانه عما له وحده، وكان محط أمر الإنسان بل جميع الحيوان على الهداية إلى مصالحه ليفعلها ومفاسدة ليتركها، وأرشد السياق إلى أن التقدير : فمن أخلص له الدين هداه في جميع أموره، وإن اشتد الإشكال، وتراكمت وجوه الضلال، عطف عليه الإخبار عمن لزم الضلال، والغي والمحال، فقال محذراً من مثل حاله، بما حكم عليه في مآله :( والذين ( ولما كان الإنسان مفطوراً على الخضوع للملك الديان، ولا يلتفت إلى غيره إلا بمعالجة النفس بما لها من الهوى والطغيان، عبر بصيغة الافتعال فقال :( اتخذوا ) أي عالجوا عقولهم حتى صرفوها عن الله فأخذوا، ونبههم على خطئهم في رضاهم بالأدنى على الأعلى بقوله :( من دونه ( ومعلوم أن كل شيء دونه ) أولياء ) أي يكلون إليهم أمورهم، ويدخل فيهم الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله مع اعترافهم بان الله تفرد بخلقهم ورزقهم.
ولما كان من العجب العجيب فعلهم، هذا بين ما وجهوا به فعلهم ليكون آية بينة في أنه لا هدى لهم فقال :( ما ) أي قائلين لمن أخلصوا له الدين إذا أنكروا عليهم أن يتخذوا من دونه ولياً : ما ) نعبدهم ( لشيء من الأشياء ) إلا ليقربونا ( ونبه سبحانه على بعدهم عن الصواب بالتعبير بالاسم الأعظم مع حرف الغاية فقال :( إلى الله ( الذي له معاقد العز ومجامع العظمة، تقريباً عظيماً على وجه التدريج ويزلفونا إليه ) زلفى ) أي تقريباً حسناً سهلاً بهجاً زائداً نامياً متعالياً، قال القشيري : ولم يقولوا هذا من قبل الله ولا بإذنه، وإنما حكموا بذلك من ذات أنفسهم، فرد الله عليهم، وفي هذا إشارة إلى ما يفعله العبد من القرب بنشاط نفسه من غير أن يقتضيه حكم الوقت، فكل ذلك اتباع هوى انتهى والاية من الاحتباك : ذكر فعل التقريب أولاً دليلاً على فعل الزلف ثانياً، واسم الزلف ثانياً دليلاً على الاسم من التقريب أولاً، وسره أنهم أرادوا بهذا الاعتذار المسكت عن قبيح صنيعهم، فأتى سبحانه في حكايته عنهم بالتأكيد على أبلغ وجه لأن الدلالة على المعنى بلفظين وأوضحهما، وقد خسر لعمري غاية الخسارة قوم تمذهبوا بأقبح المذاهب وجعلوا عذرهم هذه الآية التي ذم الله المعتذر بها، وعلى ذلك فقد راج اعتذارهم بها على كثير من العقول، وهم أهل الاتحاد الذين لا أسخف من عقولهم ولا أجمد من أذهانهم.
ولما كان إنما محط دينهم الهوى، وكان كل من تبع الهوى لا ينفك عن الاضطراب في نفسه، فكيف إذا كان معه غيره فكيف إذا كانوا كثيراً فيكثر الخلاف والنزاع وإن لم يحصل ذلك بالفعل كان بالقوة، ولذلك كلن لكل قبيلة ممن يعبد


الصفحة التالية
Icon