صفحة رقم ٤٣
الجامع لكل هدى على ما ترون من التدريج من السماء ) ولا ريب فيه ) أي يفي كونه من السماء لأن نافي الريب وممطيه وهو الإعجاز معه لا ينفك عنه، فكل ما يقولونه مما يخالف ذلك تعنت أو جهل من غير ريب، حال كونه ) من رب العالمين ) أي الخالق لهم اللمدبر لمصالحهم، فلا يجوز في عقل ولا يخطر يفي بال ولا يقع يفي وهم ولا يتصور يفي خيال أنه يترك خلقه - وهو المدبر الحكيم - من غير كتاب يكون سبب إبقائهم أو أن يصل شيء من كتابه إلى هذا النبي الكريم بغير أمره، فلا يتخيل أن شيئا من ليس بقول الله أن ثم لا يتخيل أنه كلامه تعالى ولكنه أخذه من بعض أهل الكتاب، لأن هذا يفعل مع ملك فكيف بملك الملوك، فكيف بمن هو عالم بالسر والجهر، محيط علمه بالخفي والجلي، فلو ادعى عليه أحد ما لم يأذن فيه لما أيده بالمعجزات.
ولما أقره على ذلك المدد المتطاولات، ولا سيما إعجاز، كل ما ينسبه إليه بالمعجزات، ويدعيه عليه، ما في آل عمران كمات كان أول لقمان غاية أول القرآن المطلق. وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما انطوت سورة الروم على ما قد أشير إليه من التنبيه بعجائب ما أودعه سبحانه وتعالى في عالم السماوات والأرض، وعلى ذكر الفطرة، ثم اتبعت بسورة لقمان تعريفا بأن مجموع تلك الشواهد من آيات الكتاب وشواهده ودلائله، وأنه قد هدى من شاء إلى سبيل الفطرة وإن لم يمتحنه بما امتحن به كثيرا ممن ذكر، فلم يغن عنه ودعى فلم يجب، وتكررت عليه الإنذارات فلم يصغ لها، لأن كل ذلك من الهدى والضلال واقع بمشيئته وسابق إرادته، واتبع سبحانه ذلك بما ينبه المعغتبر على صحته فقلا :( ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى ) [ لقمان : ١١ ] فأعلم سبحانه أن الخلاص والسعادة يفي الاستسلام له ولما يقع من أحكامه، وعزى نبيه ( ﷺ ) وصبره بقوله :( ومن كفر فلا يحزنك كفره ) [ لقمان : ٢٣ ] ثم ذكر تعالى لجأ الكل قهرا ورجوعا يحاكم اضطرارهم لوضوح الأمر إليه تعالى فقال :( وائن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ( ثو وعظ تعالى الكل بقوله ) ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) أي إن ذلك لا يشق عليه سبحانه وتعالى ولا يصعب، والقليل والكثير سواء، ثم نبه بما يبين ذلك من إيلاج الليل يفي النهار والنهار قي الليل وجريان الفلك بنعمته ) ذلك بأن الله هو الحق (، ثم أكد ما تقدم من رجوعهم يفي الشدائد إليه فقال :( وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصبن له الدين ( فإذا خلصهم سبحانه وتعالة ونجاهم عادوا إلى سيئ أحوالهم، هذا وقد عاينوا رفقه بهم وأخذه عند الشدائد بأيديهم وقد اعترفوا بأنه خالق السماوات والأرض ومسخر الشمس والقمر، وذلك شاهد من حالهم بجريانهم على ما قدر لهم ووقوفهم عند حدود،