صفحة رقم ٤٤
السوابق ) ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى ( ثم عطف سبحانه على الجميع فدعاهم إلى تقواه، وحذرهم يوم المعاد وشدته، وحذرهم من الاغترار، وأعلمهم أنه المتفرد بعلم الساعة، وإنزال الغيث، وعلم ما في الأرحام، وما يقع من المكتسبات، وحيث يموت كل من الخلوقات، فلما كانت سورة لقمان - بما بين من مضمنها - محتوية من التنبيه والتحريك على ما ذكر، ومعلمة بانفراده سبحانه بخلق الكل وملكهم ن اتبعها تعالى بما يحكم بتسجيل صحة الكتاب، وأنه من عنده وأن ما انطوى عليه من الدلائل والبراهين يرفع كل ريب، ويزيل كل شك،
) الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك ) أي أيقع منهم هذا بعد وضوحه وجلاء وشواهده، ثم أتبع ذلك بقوله :( مالكم من دونه من ولي ولا شفيع ( وهو تمام لقوله :( ومن يسلم وجهه إلى الله ( ولقوله :( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ( ولقوله :( وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين ( ولقوله :( اتقوا ربكم ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ( بما ذكرتم، ألا ترون أمر لقمان وهدايته بمجرد دليل فطرته، فما لكم بعد التذكير وتقريع الزواجر وترادف الدلائل وتعاقب الآيات تتوقفون عن السلوك إلى ربكم وقد أقررتم بأنه خالقكم، ولجأتم إليه عند احتياجكم ؟ ثم أعلم نبيه ( ﷺ ) برجوع من عاند وإجابته حين لا ينفعه رجوع، ولا تغني عنه إجابة، فقال :( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ( كما فعلنا بلقمان ومن أردنا توفيقه، ثم ذكر انقسامهم بحسب السوابق فقال :( أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون ( ثم ذكر مصير الفريقين ومآل الحزبين، ثم أتبع ذلك بسوء حال من ذكر فأعرض فقال :( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها ( وتعلق الكلام إلى آخر السورة - انتهى.
ولما كان الذي قدمه أول السورة على هذا الوجه برهاناً ساطعاً ودليلاً قاطعاً على أن هذا الكتاب من عند الله، كان - كما حكاه البغوي والرازي في اللوامع - كأنه قيل : هل آمنوا به ؟ ) أم يقولون ( مع ذلك الذي لا يمترئ فيه عاقل ) افتراه ) أي تعمد كذبه ولما كان الجواب : إنهم ليقولون : افتراه، وكان جوابه : ليس هو مفتري لما هو مقارن له من الإعجاز، ترتب عليه قوله :( بل هو الحق ) أي الثابت ثباتاً لا يضاهيه ثبات شيء من الكتب قبله، كائناً ) من ربك ( المحسن إليك بإنزاله وإحكامه، وخصه بالخطاب إشارة إلى أنه لا يفهم حقيقته حق الفهم سواه.