صفحة رقم ٤٣٢
ولما كانوا يدعون الذكاء، ويفعلون ما لا يفعله عاقل، أمره أن يقول لهم ما ينبههم على غباوتهم بما يصيرون إليه من شقاوتهم فقال :( الذين خسروا أنفسهم ) أي بدخولهم على الإنسان بعد نفسه أهله الذين عزه بهم قال :( وأهليهم ) أي لأنهم إن كانوا مثلهم فحالهم في الخسارة كحالهم، ولا يمكن أحداً منهم أن يواسي صاحبه بوجه فإنه لكل منهم شأن يغنيه، وإن كانوا ناجين فلا اجتماع بينهم.
ولما كانت العاقبة هي المقصودة بالذات، قال :( يوم القيامة ( لأن ذلك اليوم هو الفيصل لا يمكن لما فات فيه تدارك أصلاً ولما كان في ذلك غاية الهول.
كرر التعريف بغباوتهم تنبيهاً على رسخوهم في ذلك الوصف على طريق النتيجة لما أفهمه وتعريف الخبر ووصفه :( إلا ذلك ) أي الأمر العظيم البعيد الرتبة في الخسارة جداً ) وهو ) أي وحده ) الخسران ( أتى بصيغة الفعلان المفهم مطلقاً للمبالغة فكيف إذا بنيت على الضم الذي هو أثقل الحركات، وزاد في تقريعهم بالغباوة بقوله :( المبين (.
ولما علم بهذا أنه البين في نفسه المنادي بما فيه من القباحة بأنه لا خسران غيره، فصله بقوله على طريق التهكم بهم :( لهم ( فإن عادة اللام عند مصاحبة المجرور ولا سيما الضمير إفهام المحبوب للضمير لا سيما مع ذكر الراحة، أزال إلى قربها منهم بإثبات الجار فقال :( من فوقهم ظلل ( ولما أوهم ذلك الراحة، أزال ذلك بقوله :( من النار ( وذلك أنكأ مما لو أفهمهم الشر من أول الأمر.
ولما كان في القرار - كائناً ما كان على أي حال كان نوع من الراحة بالسكون، بين أنهم معلقون في غمرات الاضطراب، يصعدهم اللهيب تارة، ويهبطهم انعكاسه عليهم برجوعه إليهم أخرى، فلا قرار لهم أصلاً كما يكون الحب في الماء على النار، يغلي به صاعداً وسافلاً، لا يقر في أسفل القدر أصلاً لقوله :( ومن تحتهم (.
ولما كان كون الظلة المأخوذة من الظل من تحت في غاية الغرابة، أعادها ولم يكتف بالأولى، ولم يعد ذكر النار لفهمها في التحت من باب الأولى فقال :( ظلل ( ومما يدل على ما فهمته من عدم القرار ما رواه البخاري في صحيحه عن سمر بن جندب رضي الله عنه قال : كان النبي ( ﷺ ) إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال ( من رأى منكم الليلة رؤيا ) فسألنا يوماً قلنا : لا، قال ( لكني رأيت رجلين أتياني فأخذا بيدي وأخرجاني إلى الأرض المقدسة ) فذكره بطوله حتى قال ( فانطلقا إلى نقب مثل