صفحة رقم ٤٦٢
سبق منه القول أنه إنما يغفر الشرك بالتوبة عنه، وأما غيره فيغفره إن شاء بتوبة وإن شاء بلا توبة، ولا يقدر أحد أن يمنعه من شيء من ذلك.
ولما كان لا يعهد في الناس مثل هذا بل لو أراد ملك من ملوك الدنيا العفو عن أهل الجرائم، قام عليه جنده فانحل عقده وانثلم حده، علل هذه العلة بما يخصه، فقال مؤكداً لاستبعاد ذلك بالقياس على ما يعهدون :( إنه هو ) أي وحده ) الغفور ) أي البليغ المغفرة بحيث يمحو الذنوب مهما شاء عيناً وأثراً، فلا يعاقب ولا يعاتب ) الرحيم ) أي المكرم بعد المغفرة ولا يقدر أحد أصلاً على نوع اعتراض عليه، ولا توجيه طعن إليه.
الزمر :( ٥٤ - ٥٧ ) وأنيبوا إلى ربكم.....
) وَأَنِيبُواْ إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُواْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ( ( )
ولما كان التقدير : فأقلعوا عن ذنوبكم، فإنها قاطعة عن الخير، مبعدة عن الكمال، عطف عليه استعطافاً قوله دالاً على أن الغفران المتقدم إنما هو إذا شاء التفضل سبحانه بتوبة وبغير توبة :( وأنيبوا ) أي ارجعوا بكلياتكم وكلوا حوائجكم وأسندوا أموركم واجعلوا طريقكم ) إلى ( ولفت الكلام إلى صفة الإحسان زيادة في الاستعطاف فقال :( ربكم ) أي الذي لم تروا إحساناً إلا وهو منه ) وأسلموا له ) أي أوجدوا إسلام جميع ما ملكه لكم من الأعيان والمعاني متبرئين عنه لأجله فإنه لو شاء سلبكموه، فإذا لم تكونوا مالكيه ملكاً تاماً أنفسكم عارية عنه غير مالكة له ولا قادرة، وكان الذي لكم بالإصالة ما كان.
ولما كان ذلك شديداً لأن الكف عما أشرفت النفس على بلوغ الوطر منه في غاية المرارة، قال مهدداً لهم دالاً بحرف الابتداء على رضاه منهم بإيقاع ما أقر به في اليسير من الزمان لأنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره الله حق قدره باستغراق الزمان في الطاعة وإن كان إبهام الأجل يحدو العاقل على استغراقه فيها :( من قبل أن يأتيكم ) أي وأنتم صاغرون ) العذاب ) أي القاطع لكل العذوبة المجرّع لكل مرارة وصعوبة.
ولما كان الإنسان ربما توقع ضرراً في إقدامه على ما له فيه لذة، وحاول دفعه، قال معظماً لهذا العذاب مشيراً بأداة التراخي إلى أنه لا يمكن دفعه ولو طال المدى :( ثم لا تنصرون ) أي لا يتجدد لكم نوع نصر أبداً.