صفحة رقم ٤٦٩
والخطاب للرؤساء على هذا النحو - وإن كان المراد به في الحقيقة أتباعهم - أزجر للأتباع، وأهز للقلوب منهم والأسماع.
ولما كان التقدير قطعاً : فلا تشرك، بنى عليه قوله :( بل الله ) أي المتصف بجميع صفات الكمال وحده بسبب هذا النهي العظيم والتهديد الفظيع مهما وقعت منك عبادة ما ) فاعبد ) أي مخلصاً له العبادة، فحذف الشرط، عوض عنه بتقديم المفعول.
ولما كانت عبادته لا يمكن أن تقع إلا شكراً لما له من عموم النعم سابقاً ولاحقاً، وشكر المنعم واجب، نبه على ذلك قوله :( وكن من الشاكرين ) أي العريقين في هذا الوصف لأنه جعلك خير الخلائق.
ولما كان التقدير : فما أحسن هؤلاء ولا أجملوا حين دعوك للإشراك بالله، وما عبدوه حق عبادته إذ أشركوا به، عطف عليه قوله :( وما قدروا ( وأظهر الأسم الأعظم في أحسن مواطنه فقال :( الله ) أي الملك الأعظم ) حق قدره ) أي ما عظموه كما يجب له فإنه لو استغرق الزمان في عبادته وخالص طاعته بحيث لم يخل شيء منه عنها لما كان ذلك حق قدره فكيف إذا خلا بعضها عنها فكيف إذا عدل به غيره.
ولما ذكر تعظيم كل شيء ينسب إليه، دل على باهر قدرته الذي هو لازم القبض والطي بما يكون من الحال في طي هذا الكون، فقال كناية عن العظمة بذلك :( والأرض ) أي والحال أنها، وقدمها لمباشرتهم لها ومعرفتهم بحقيقتها.
ولما كان ما يدركون منها من السعة والكبر كافياً في العظمة وأن لم يدركوا أنه سبع، أكد بما يصلح لجميع طبقاتها تنبيهاً للبصراء على أنها سبع من غير تصريح به فقال :( جميعاً ( ولما كان أحقر ما عند الإنسان وأخفه عليه ما يحويه في قبضته، مثل بذلك في قوله مخبراً عن المبتدأ مفرداً بفتح القاف لأنه أقعد في تحقير الأشياء العظيمة بالنسبة إلى جليل عظمته :( قبضته (.
ولما كان في الدنيا من يدعي الملك والقهر والعظمة والقدرة، وكان الأمر في الآخرة بخلاف هذا لانقطاع الأسباب قال :( يوم القيامة ( ولا قبضة هناك حقيقية ولا مجازاً، وكذا الطي واليمين، وإنما تمثيل وتخييل لتمام القدرة.
ولما كانوا يعلمون أن السماوات سبع متطابقة بما يشاهدون من سير النجوم، جمع ليكون مع ) جميعاً ( كالتصريح في جميع الأرض أيضاً في قوله :( والسماوات مطويات ( ولما كان العالم العلوي أشرف، شرفه عند التمثيل باليمين فقال :( بيمينه ( ولما كان هذا إنما هو تمثيل بما نعهد والمراد به الغاية في القدرة، نزه نفسه المقدس عما ربما تشبث به المجسم والمشبه فقال :( سبحانه ) أي تنزه من هذه القدرة قدرته عن كل شائبة نقص وما يؤدي إلى


الصفحة التالية
Icon