صفحة رقم ٤٧٧
ولما كان المراد بالشهداء إقامة الحقوق على ما يتعارفه العباد وكان ذلك ربما أوهم نقصاً في العلم قال :( وهو أعلم ) أي من العاملين والشهداء عليهم ) بما يفعلون ) أي مما عمل به بداعية من النفس سواء كان مع مراعاة العلم أو لا.
فالآية من الاحتباك : ذكر ما عملت أولاً يدل على ما فعلت ثانياً، وذكر ما يفعلون ثانياً يدل عليه ما يفعلون أولاً، وسره أن ما ذكر أوفق للمراد من نفي الظالم على حكم الوعد بالعدل والفضل لأن فيه الجزاء على كل ما بني على علم، وأما المشتهي فما ذكر أنه يجازي عليه بل الله يعلمه.
ولما كان الأغلب على هذه المقامات التحذير، قدم في هذه التوفية حال أهل الغضب فقال :( وسبق ) أي بأمر يسير من قبلنا بعد إقامة الحساب سوقاً عنيفاً ) الذين كفروا ) أي غطوا أنوار عقولهم، فالتبست عليهم الأمور فضلوا ) إلى جهنم ) أي الدركة التي تلقاهم بالعبوسة كما تلقوا الأوامر والنواهي والقائمين بها بمثل ذلك، فإن ذلك لازم لتغطية العقل ) زمراً ) أي جماعات في تفرقة بعضهم على إثر بعض - قاله أبو عبيد - أصنافاً مصنفين، كل شخص مع من يلائمه في الطريقة الزمرة، مأخوذة من الزمر وهو صوت فيه التباس كالزمر المعروف لأن ذلك الصوت من لازم الجمع.
ولما كان إغلاق الباب المقصود عن قاصده دالاً على صغاره، دل على أن أمرهم كذلك بقوله ذاكراً غاية السوق :( حتى إذ جاءوها ) أي على صفة الذل والصغار، وأجاب ( إذا ) بقوله :( فتحت أبوابها ) أي بولغ كما يفعل في أبواب السجن لأهل الجرائم بعد تكاملهم عندها في الإسراع في فتحها ليخرج إليهم ما كان محبوساً بإغلاقها من الحرارة التي يلقاهم ذكاؤها وشرارها على حالة هي أمر من لقاء البهام التي اختاروها في الدنيا على تقبل ما خالف أهويتهم من حسن الكلام.
ولما كان المصاب ربما رجا الرحمة، فإذا وجد من يبكته كان تبكيته أشد عليه مما هو فيه قال :( وقال لهم خزنتها ( إنكاراً عليهم وتقريعاً وتوبيخاً :( ألم يأتكم رسل ( ولما كان قيام الحجة بالمجانس أقوى قال واصفاً لرسل :( منكم ) أي لتسهل عليكم مراجعتهم.
ولما كانت المتابعة بالتذكير أوقع في النفس قال آتياً بصفة أخرى معبراً بالتلاوة التي هي أنسب لما يدور عليه مقصد السورة من العبادة لما للنفوس من النقائص الفقيرة إلى متابعة التذكير :( ويتلون ) أي يوالون ) عليكم آيات ( ولما كان أمر المحسن أخف على النفس فيكون أدعى إلى القبول قالوا :( ربكم ) أي بالبشارة إن تابعتم.
ولما كان الإنذار أبلغ في الزجر قالوا :( وينذرونكم لقاء يومكم ( ولما كانت الإشارة أعلى في التشخيص قالوا :( هذا ( إشارة إلى يوم البعث كله، أي من الملك الجبار إن