صفحة رقم ٤٩٧
وحزناً، ساكتين مكروبين، قد انسدت مجاري أنفاسهم وأخذ بجميع إحساسهم.
ولما كان من المعلوم أن ذلك الكرب إنما هو للخوف من ديان ذلك اليوم، وكان من المعهود أن الصداقات تنفع في مثل ذلك اليوم والشفاعات، قال مستانفاً :( ما للظالمين ) أي العريقين في الظلم منهم ) من حميم ) أي قريب صادق في مودتهم مهتم بأمورهم مزيل لكروبهم، قال ابن برجان : والحميم : الماء الحار الناهي في الحرارة، سمي القريب به لأنه يحمي لقريبه غضباً، والغضب حرارة تعرض في القلب تخرج إلى الوجه فيحمر وتنتفخ الأوداج فيستشيط غيظاً ) ولا شفيع يطاع ) أي ليس شفيع أصلاً لأن الشفيع يعلم أنه لو شفع ما أطيع فهو لا ينفع، وقد يشفع في بعضهم بعض المقربين لعلامة فيهم يحصل بها اشتباه يظن بهم أنهم ممن يستحق الشفاعة فينبه على أنهم ليسوا بذلك، فيبرأ منهم.
ولما كانت الشفاعة إنما تقع وتنفع بشرط براءة المشفوع له من الذنب إما بالاعتراف بما نسب إليه والإقلاع عنه، وإما بالاعتذار عنه، وكان ذلك إنما يجري عند المخلوقين على الظاهر، ولذلك كانوا ربما وقع لهم الغلط فيمن لو عملوا باطنه لما قبلوا الشفاعة فيه، علل تعالى ما تقدم بعلمه أن المشفوع له ليس بأهل لقبول الشفاعة فيه لإحاطة علمه فقال :( يعلم خائنة ( ولما كان السياق هنا للابلاغ في أن علمه تعالى محيط بكل كلي وجزئي، فكان من المعلوم أن الحال يقتضي جمع الكثرة، وأنه ما عدل عنه إلى جميع القلة إلا للإشارة إلى أن علمه تعالى بالكثير كعلمه بالقليل الكل، عليه هين، فالكثير عنده في ذلك قليل فلذا قال :( الأعين ) أي خيانتها التي هي أخفى ما يقع من أفعال الظاهر، جعل الخيانة مبالغة في الوصف وهي الإشارة بالعين، قال أبو حيان : من كسر وغمز ونظر يفهم منه ما يراد - انتهى.
وذلك يفعل بفعل ما يخالف الظاهر، ولما ذكر أخفى أفعال الظاهر، أتبعه أخفى ما في الباطن فقال :( وما تخفي الصدور ) أي عن المشفوع عنده وغير ذلك.
ولما كان العفو عن الظالم الذي لا يرجع عن ظلمه نقصاً، لكونه لا حكمة فيه، عبر بالاسم الأعظم في جملة حالية فقال :( والله ) أي والحال أن المتصف بجميع صفات الكمال ) يقضي بالحق ) أي الثابت الذي لا يصح أصلاً نفيه، فلو قضى ذلك الكمال ) والذين يدعون ) أي الظالمون - على قراءة الجماعة، وأيها الظالمون - على قراءة نافع وابن عامر بخلاف عن ابن ذكوان بالخطاب للمواجهة بالأزراء.
ولما كانت المراتب جون عظمته سبحانه لا تنحصر ولا يحتوي عليها كلها شيء، أثبت الجار فقال :


الصفحة التالية
Icon