صفحة رقم ٥١٠
ولما ظهر لهذا المؤمن رضي الله عنه أن فرعون ذل لكلامه، ولم يستطع مصارحته، ارتفع ألى أصرح من الأسلوب الأول فأخبرنا تعالى عنه بقوله مكتفياً في وصفه بالفعل الماضي لأنه في مقام الوعظ الذي ينبغي أن يكون من أدنى متصف بالإيمان بعد أن ذكر عراقته في الوصف لأجل أنه كان في مقام المجاهدة والمدافعة عن الرسول عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام الذي لا يقدم عليه إلا راسخ القدم في الدين :( وقال الذي آمن ) أي بعد قول فرعون هذا الكلام الذي هو أبرد من الثلج الذي دل على جهله وعجزه وذله ) يا قوم ( وأكد لما رأى عندهم من إنكار أمره وخاف منهم من اتهامه فقال :( إنب أخاف عليكم ) أي من المكابرة في أمر موسى عليه الصلاة والسلام.
ولما أقل ما يخشى يكفي العاقل، وكانت قدرة الله سبحانه عليهم كلهم على حد سواء لا تفاوت فيها فكان هلاكهم كلهم كهلاك نفس واحدة، أفرد فقال :( مثل يوم الأحزاب ( مع أن إفراده أروع وأقوى في التخويف وأفظع للاشارة إلى قوة الله تعالى وأنه قادر على إهلاكهم في أقل زمان.
غافر :( ٣١ - ٣٤ ) مثل دأب قوم.....
) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ وَيقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ ( ( )
ولما أجمل فصل وبين أو بدل بعد أن هول، فقال بادئاً بمن كان عذابهم مثل عذابهم، ودأبهم شبيهاً بدأبهم :( قوم نوح ) أي فيما دهمهم من الهلاك الذي محقهم فلم يطيقوه مع ما كان فيهم من قوة المحاولة والمقاومة لما يريدونه ) وعاد وثمود ( مع ما بلغكم من جبروتكم.
ولما كان هؤلاء أقوى الأمم، اكتفى بهم وأجمل من بعدهم فقال :( والذين ( وأشار بالجار إلى التخصيص بالعذاب لئلا يقال : هذه عادة الدهر، فقال :( من بعدهم ) أي بالقرب من زمانهم لا جميع من جاء بعدهم.
ولما كان التقدير : أهلكهم الله وما ظلمهم، عبر عنه تعميماً مقروناً بما تضمنه من الخبر بدليله فقال :( وما الله ) أي الذي له الإحاطة بأوصاف الكمال.
ولما كان في مقام الوعظ لهم ومراده ردهم عن غيهم بكل حال، علق الأمر بالإرادة لأنها متى ارتفعت انتفى الظلم، ونكر تعميماً فقال :( يريد ظلماً ) أي يتجدد منه أن يعلق إرادته وقتاً ما بنوع ظلم ) للعباد ( لأن أحد لا يتوجه أبداً إلى أنه يظلم عبيده الذين هم تحت قهره،


الصفحة التالية
Icon