صفحة رقم ٥٢٩
قطعاً قوله :( إن الساعة ) أي القيامة التي يجادله فيها المجادلون ) لآتية ( وعزتي للحكم بالعدل في المقارنة بين المسيء والمحسن لأنه لا يسوغ في الحكمة عند أحد من الخلق أن يساوي أحد بين محسن عبيده ومسيئهم، فكيف يظن ذلك بأحكم الحاكمين الذي نشاهده يميت المسيء وهو في غاية النعمة والمعصية، والمحسن وهو في غاية البلاء والطاعة، والمظلوم قبل أن ينتصف من الظالم، ولهذا الأمر الظاهر قال :( لا ريب فيها ) أي لا شك في إيتانها بوجه من الوجوه، لأفضي فيها بالعدل فأدخل فيها ناساً دار رحمتي، وآخرين نقمتي.
ولما وصل الحال في أمرها إلى حد لا خفاء به أصلاً، نفى الإيمان دون العلم فقال تعالى :( ولكن أكثر الناس ) أي بما فيهم من النوس وهو الاضطراب، وراعى معنى الأكثر فجمع لأن الجمع أدل على المراد وأقعد في التبكيت :( لا يؤمنون ) أي لا يجعلون المخبر لهم بإيتانها آمناً من التكذيب مع وضوح علمها لديهم، وما ذاك إلا لعناد بعضهم وقصور نظر الباقين على الحس.
ولما كان التقدير : فعل ذلك ربكم ليقضي بين عباده بالعدل فيدخل المحسن الجنة نصرة له، والمسيء النار خذلاناً وإهانة له، لما برز به وعده من أنه ينصر رسله وأتباعهم في الحية الدنيا وفي الآخرة، وقال لعباده كلهم : آمنوا لأسلمكم من غوائل تلك الدار، عطف عليه قوله :( وقال ربكم ) أي المحسن إليكم بهدايتكم ووعدكم النصرة :( ادعوني ) أي استجيبوا لي بأن تعبدوني وحدي فتسألوني ما وعدتكم به من النصرة على وجه العبادة، وهذا معنى قوله ( ﷺ ) ( الدعاء هو العبادة ) فقد حصر الدعاء في العبادة سواء كانت بدعاء أو صلاة أو غيرهما، فمن كان عابداً خاضعاً لله تعالى بسؤال أو غيره كانت عبادته دعاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما : وحدوني اغفر لكم.
وعن الثوري أنه قيل له : ادع، فقال : إن ترك الذنوب هو الدعاء :( أستجب ) أي أوجد الإجابة إيجاداً عظيماً كأنه ممن يطلب ذلك بغاية الرغبة فيه ) لكم ( في الدنيا أي بإيجاد ما دعوتم به، أو كشف مثله من الضر، أو إدخاره في الآخرة، ليظهر الفرق بين من له الدعوة ومن ليس له دعوة العبادة في الدنيا ولا في الآخرة، ولا تتكلوا على ما سبق به الوعد فتتركوا الدعاء فتتركوا العبادة التي الدعاء مخها، فكل ميسر لما خلق له، قال القشيري، وقيل : الدعاء مفتاح الإجابة، وأسنانه لقمة الحلال - انتهى - والآية بمعنى آية البقرة
٧٧ ( ) أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي ( ) ٧
[ آية : ١٨٦ ].
ولما كان السبب في ترك الدعاء في العادة الكبر، فكان كأنه قيل : ولا تتركوا دعائي تكونوا مستكبرين، علله ترهيباً في طيه ترغيب بقوله :( إن الذين يستكبرون ( أي