صفحة رقم ٥٣٧
الْمُتَكَبِّرِينَ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ) ٧٣
( ) ٧١
ولما كانوا في الدنيا قد جمعت أيديهم إلى أذقانهم بجوامع السطوة، ثم وصلت بسلاسل القهر يساقون بها عن مقام الظفر بالنجاح إلى أهويات الكفر بالجدال بالباطل ومهامه الضلال المبين كما قال تعالى
٧٧ ( ) إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً ( ) ٧
[ يس : ٨ ] الآية، فجعل باطن تلك السلاسل الدنيوية والأغلال ظاهراً في ذلك المجمع قال :( إذ ) أي حين تكون ) الأغلال ( جمع غل، قال في ديوان الأدب، هو الذي يعذب به الإنسان.
وقال القزاز : الغل من الحديد معروف، ويكون من القد، وقال في النهاية : هو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه، ويقال لها جامعة أيضاً - انتهى.
وأصله الإدخال، يدخل فيه العنق واليد فتجمعان به، وذلك معنى قول الصغائي في مجمع البحرين : في رقبته غل من حديد، وقد غلت يده إلى عنقه ) في أعناقهم ) أي جامعة لأيديهم إلى تراقيهم، وعبر بإذ ومعناها المضي مع سوف ومعناها الاستقبال، لأن التعبير بالمضي إنما هو إشارة إلى تحقق الأمر مع كونه مستقبلاً ) والسلاسل ) أي في أعناقهم أيضاً يقيدهم ذلك عن كل تصرف لكونهم لم يتقيدوا بكتاب ولا رسول، والسلسلة من : تسلسل الشيء : اضطراب، قال الراغب : كأنه تصور منه تسلسل متردد، فردد لفظه تنبيهاً على تردد معناه، وما سلسل متردد في مقره حتى صفا، حال كونهم ) يسحبون ) أي بها، والسحب : الجر بعنف ) في الحميم ) أي الماء الحار الحاضر الذي يسكب الوجوه سواداً، والأعراض عاراً، والأرواح عذاباً والأجسام ناراً، والقلوب هماً واللحوم ذوباناً واعتصاراً، وذلك عوض ترفيعهم لأنفسهم عن سحبها بأسباب الأدلة الواضحات في كلف العبادات ومرارات المجاهدات وحرارات المنازلات.
ولما أخبر عن تعذيبهم بالماء الحار الذي من شأنه أن يضيق الأنفاس، ويضعف القوى، ويخفف القلوب، أخبر بما هو فوق ذلك فقال :( ثم في النار ) أي عذابها خاصة ) يسجرون ) أي يلقون فيها وتوقد بهم مكردسين مركوبين كما يسجر التنور بالحطب - أي يملأ - وتهيج ناره، وكما يسجر - أي يصب - الماء في الحلق، فيملؤؤنها فتحمى بهم ويشتد اضطرامها لكونهم كانوا في الدنيا وقود المعاصي، والفتن بهم يشب وقودها ويقوى عودها، ويثبت عمودها، لأنهم لم يلقوا أنفسهم في نيران الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومخالفات الشهوات في أبواب الأوامر والنواهي، التي هي في الظاهر نيران، وفي الحقيقة جنان.
ولما كان المدعو إنما يدخر لأوقات الشدائد، قال موبخاً لهم مندماً مقبحاً لقاصر


الصفحة التالية
Icon