صفحة رقم ٥٣٨
نظرهم لأنفسهم بانياً للمفعول لأن المنكئ هذا القول مطلقاً لا لكونه من قائل معين :( ثم قيل لهم ) أي بعد أن طال عذابهم، وبلغ منهم كل مبلغ، ولم يجدوا ناصراً يخلصهم ولا شافعاً يخصصهم :( أين ( والتعبير عنهم بأداة ما لا يعقل في أحكم مواضعه في قوله :( ما كنتم ) أي دائماً ) تشركون ) أي بدعائكم لهم في مهماتكم دعاء عبادة مع تجديده في كل وقت ؛ ثم بين سفولهم بقوله لافتاً القول عن مظهر العظمة إلى أعظم منه فقال :( من دون الله ) أي المحيط بجميع العز وكل العظمة، لتطلبوا منهم تخليصكم مما أنتم فيه أو تخفيفه :( قالوا ) أي مسترسلين مع الفطرة وهي الفطرة الأولى على الصدق :( ضلوا عنا ( فلا نراهم كما ضللنا نحن في الدنيا عما ينفعنا.
ولما رأوا أن صدقهم قد أوجب اعترافهم بالشرك، دعتهم رداءة المكر ورذالة الطباع إلى الكذب، فاسترسلوا معها فبادروا أن أظهروا الغلظ فقالوا ملبسين على من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ظانين أن ذلك ينفعهم كما كان ينفعهم عند المؤمنين في دار الدنيا :( بل لم نكن ندعو ) أي لم يكن ذلك في طباعنا.
ولما كان مرادهم نفي دعائهم أصلاً ورأساً في لحظة فما فوقها، لا النفي المقيد بالاستغراق، فإنه لا ينفي ما دونه، أثبتوا الجار فقالوا :( من قبل ) أي قبرل هذه الإعادة ) شيئاً ( لنكون قد أشركنا به، فلا يقدرهم بعضاً بحيث لا يزالون في ندم كما كان حالهم في الدنيا
٧٧ ( ) انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ( ) ٧
[ الأنعام : ٢٤ ] فالآية من الاحتباك : ذكر الإشراك أولاً دليلاً على نفيهم له ثانياً، والدعاء ثانياً دليلاً على تقديره أولاً.
ولما كان في غاية الإعجاب من ضلالهم، كان كأنه قيل : هل يضل أحد من الخلق ضلال هؤلاء، فأجيب بقوله :( كذلك ) أي نعم مثل هذا الضلال البعيد عن الصواب ) يضل الله ) أي المحيط علماً وقدرة، على القصد النافع عن حجة وغيرها ) الكافرين ) أي الذين ستروا مرائي بصائرهم لئلا يتجلى فيها ثم صار لهم ذلك ديدناً.
ولما تم جواب السؤال عن التعجب من هذا الضلال، رجع إلى خطاب الضلال فقال معظماً لما ذكر من جزائهم بأداة البعد وميم الجمع نصاً على تقريع كل منهم :( ذلكم ) أي الجزاء العظيم المراتب، الضخم المواكب ) بما كنتم ) أي دائماً ) تفرحون ) أي تبالغون في السرور وتستغرقون فيه وتضعفون عن حمله للإعراض عن العواقب.
ولما كانت الأرض سجناً، فهي في الحقيقة دار الأحزان، حسن قوله :( في الأرض ) أي ففعلتم فيها ضد ما وضعت له، وزاد ذلك حسناً قوله :