صفحة رقم ٥٦٧
قرناء ) أي أشخاصاً أمثالهم في الأخلاق والأوصاف أقوياء وهم كونهم شديدي الالتصاق بهم والإحاطة في غاية النحس والشدة في اللؤم والخبث واللجاجة فيما يكون به ضيق الخير واتساع الشر من غواة الجن والإنس ) فزينوا لهم ) أي من القبائح ) ما ( وعم الأشياء كلها فلم يأت بالجار فقال :( بين أيديهم ) أي يعلمون قباحته حتى حسنوه لهم فارتكبوه ورغبوا فيه ) وما خلفهم ) أي ما يجهلون أمره ولا يزالون في كل شيء يزينونه ويلحون فيه ويكررونه حتى يقبل، فإن التكرير مقرون بالتأثير، قال القشيري : إذا أراد الله بعبداً سوءاً قيض له إخوان سوء وقرناء سوء يحملونه على المخالفات ويدعونه إليها، وإذا أراد الله بعبد خيراً قيض له قرناء خير يعينونه على الطاعات ويحملونه عليها ويدعون إليها، ومن ذلك الشيطان، وشر منه النفس وبئس القرين، تدعو اليوم إلى ما فيه الهلاك وتشهد غداً عليه.
ولما كان التقدير : فلم يدعوا قبيحة حتى ارتكبوها، عطف عليه قوله :( وحق ) أي وجب وثبت ) عليهم القول ) أي بدوام الغضب.
ولما كان هذا مما يوجب شدة أسفه ( ﷺ )، خفف منه بقوله :( في ) أي كائنين في جلمة ) أمم ) أي كثيرة.
ولما عبر عنهم بما يقتضي تعظيمهم بأنهم مقصودون، حقرهم بمضير التأنيث فقال :( قد خلت ) أي لم تتعظ أمه منهم بالأخرى.
ولما كان الخلو قد يكون بالموت في زمانهم، بين أنه مما مضى وفات.
ولما كان بعض من مضى غير مستغرق لجميع الزمان، عبر ب ( من ) فقال :( من قبلهم ) أي في الزمان، وقدم الأقوى لتفهم القدرة عليه القدرة على ما دونه من باب الأولى، فإن الإنس كانوا يعدون أنفسهم دون الجن فيعوذون بهم فقال :( من الجن والأنس ( ثم علل حقوق الشقاء عليهم بقوله منبهاً بالتأكيد على أنهم ينكرون أن تكون القبائح موجبة للخسر ) إنهم ) أي جميع المذكورين منهم وممن قبلهم :( كانوا ) أي طبعاً وفعلاً ) خاسرين ( فعلى العاقل أن يجتهد في اختيار أصحابه وأخذانه وأحبابه، فإن العاقبة فيهم حسنة جسيمة أو قبيحة وخيمة، روى صاحب الفردوس عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ( ﷺ ) قال :( إذا أراد الله بعبد شراً قيض له قبل موته شيطاناً فلا يرى حسناً إلا قبحه ولا قبيحاً إلا حسنه عنده ).
ولأحمد وأبي داود والنسائي وأبي يعلى وابن حبان في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ( ﷺ ) قال :( إذا أراد الله بوالي خيراً جعل له وزير صدق، إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه، وإن أراد به غير