صفحة رقم ٥٧٥
عبارة عن تنوير الدلائل الدالة على الذات والصفات، وذلك ببيان الأفعال وآثارها وهو العالم بجميع ما فيه من الأجزاء والأبعاض جوهراً وعرضاً، وبدأ بذكر الفلكيات لأنها ادل، فقال عاطفاً على ما تقديره : فمن آياته الناشئة عن شمول علمه المستلزم لشمول قدرته المنتجة لإعادته لمن يريد ونفوذ تصرفه في كل ما يشاء المستلزم لتفرده بالإلهية أنه خلق الخافقين كما مضى في ستة أيام :( ومن آياته ( الدالة على وحدانيته :
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
ولما كانت الظلمة عدماً والنور وجوداً والعدم مقدم قال :( الليل والنهار ) أي الدالان باختلافهما وهيئتهما على قدرته على البعث وعلى كل مقدور ) والشمس والقمر ( اللذان هما الليل والنهار كالروح لذوي الأجساد، وهذه الموجوات - مع ما مضى من خلق الخافقين - كتاب الملك الديان، إلى الإنس والجان، المشهود لهم بالعيان كما قيل يا إنسان :
تأمل سطور الكائنات فإنها من الملك الأعلى إليك رسائل وقد خط غيها لو تأملت خطة إلا كل شيء ما خلا الله باطل
ولما ثبت له سبحانه التفرد بالخلق والأمر، وكان باطناً إلا عند من نور الله أو كانت الشمس والقمر من آياته المعرفة المشيرة في وجود الدنيا والآخرة إليه، وكانا مشاهدين، وكان الإنسان قاصر العقل مقيد الوهم بالمشاهدات لما عنده من الشواغل إلا من عصم الله، أنتج قوله محذراً من عبادتهما لما يرة لهما من البهاء وفيهما من المنافع :( لا تسجدوا للشمس ( التي هي أعظم أوثانكم فإنها من جملة مبدعاته، وأعاد النافي تأكيداً للنفي لأن النهي عن كل منهما على حدته ولذلك أظهر موضع الإضمار فقال :( ولا للقمر ( كذلك.
ولما نهى عن السجود لهما، أمر بالسجود بما يبين استحقاقه لذلك وعدم استحقاقهما أو استحقاق شيء غيرهما له فقال :( واسجدوا ( ونبه على مزيد عظمته بالإظهار موضع الإضمار فقال :( لله ) أي الذي له كل كمال من غير شائبة نقص من أقول أو تجدد حلول ) الذي خلقهن ) أي الأربعة لأجلكم فهو الذي يستحق الإلهية، وأنث لأن ما لا يعقل حكمه حكم المؤنث في الضمير وهي أيضاً آيات، وفيه إشارة إلى تناهي سفولها عما أهلوها له وذم عابديها بالإفراط في الغباوة، ويمكن أن يكون عد القمر أقماراً لأنه يكون تارة هلالاً وأخرى بدراً وأخرى محواً، فلذلك جمع إشارة إلى قهرهما بالتغيير له في الجرم ولمهما بالتسيير، ولذلك عبر بضمير المؤنث الذي يكون لجمع الكثرة مما لا يعقل.


الصفحة التالية
Icon