صفحة رقم ٥٧٦
ولما ظهر أن الكل عبيده، وكان السيد لا يرضى بإشراك عبده عبداً آخر في عبادة سيده قال :( إن كنتم إياه ) أي خاصة بغاية الرسوخ ) تعبدون ( كما هو صريح قولكم في الدعاء في وقت الشدائد لا سيما في البحر، ومحصل قولكم ) ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ( فإن أشركتم به شيئاً بسجود أو غيره فما خصصتموه بالعبادة لأن السجود من العبادة وفعله ولو في وقت واحد لغيره إشراك في الجملة، ومن أشرك به لم يعبده وحده، ومن لم يعبده وحده لم يعبده أصلاً، لأنه أغنى الأغنياء، لا يقبل إلا الخالص وهو أقرب إلى عباده من كل شيء فيوشك أن ينتقم بإشراككم، وفي الآية إشارة إلى الحث على صيانة الآدميين عن أن يقع منهم سجود لغيره رفعاً لمقامهم عن أن يكونوا ساجدين لمخلوق بعد أن كانوا مسجوداً لهم، فإنه سبحانه أمر الملائكة الذين هم أشرف خلقه بعدهم بالسجود آدم وهم في ظهره فتبكر اللعين إبليس، فابد لعنه، فشتان ما بين المقامين.

فصلت :( ٣٨ - ٤١ ) فإن استكبروا فالذين.....


) فَإِنِ اسْتَكْبَرُواْ فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ( ( )
ولما كانوا في هذا الأمر بين طاعة ومعصية، وكاك درء المفاسد مقدماً، سبب عن ذلك قوله معبراً بأداة الشك تنبيهاً لهم على أن استكبارهم بعد إقامة هذه الأدلة ينبغي أن لا يتوهم، وصرف القول إلى الغيبة تحقيراً لهم وإبعاداً على تقدير وقوع ذلك منهم ) فإن استكبروا ) أي أوجدوا الكبر عن اتباعك فيما أمرتهم به من التوحيد فلو يوحدوا الله ولم ينزهوه تعالى عن الشريك ) فالذين عند ( وأظهر موضع الإصخار معبراً بوصف الإحسان بشارة له ونذارة لهم ) ربك ( خاصة لا عندهم لكونهم مقربين لديه في درجة الرضاء والكرامة ولكونهم مما يستغرق به الآدميون ولكون الكفار لا قدرة لهم على الوصول إليهم بوجه :( يسبحون له ) أي يوقعون التنزيه عن النقائص ويعبدون عن الشركة لأجل علوه الأقدس وعزه الأكبر لا لشيء غيهر إخلاصاً في عبادته وهم لا يستكبرون.
ولما كان حال الكفار في الإخلاص مختلفاً في الشدة والرخاء، أشار إلى تقبيح ذلك منهم بتعميم خواصه عليهم الصلاة والسلام بالإخلاص حالتي الإثبات الذي هو حالة بسط في الجملة، والمحو الذي هو حالة قبض كذلك يجددون هذا التنزيه مستمرين عليه في كل وقت فقال :( بالليل والنهار ) أي على مر الملوين الجديدين لا


الصفحة التالية
Icon