صفحة رقم ٥٨٢
نريد، بين أن مراده نافذ من غير هذا فقال :( قل هو ) أي هذا القرآن على ما هو عليه من العلو الذي لا يمكن أن يكون شيء يناظره ) للذين آمنوا ) أي أردنا وقوع الإيمان منهم ) هدى ( بيان لكل مطلوب ) شفاء ( لما في صدروهم من داء الكفر والهواء شفاء للعلماء حيث استراحوا من كد الفكرة وتحير الخواطر وشفاء لضيق صدور المريدين بما فيه من التنعيم بقراءته والتلذذ بالتفكر فيه، ولقلوب المحبين من لواعج الاشتياق بما فيه من لطائف المواعيد، ولقلوب العارفين بما يتوالى عليها من أنوار التحقيق وآثار خطاب الرب العزيز ) والذين لا يؤمنون ) أي أردنا أنه لا يتجدد منهم إيمان ) في آذانهم وقر ) أي ثقل مذهب للسمع مصم، فهم لذلك لا يسمعون سماعاً ينفعهم لأنهم بادروا إلى رده أول ما سمعوه وتكبروا عليه فصاروا لا يقدرون على تأمله فهزهم الكسل وأصمهم الفشل فعو عليهم فهمه ) وهو عليهم ) أي خاصة ) عمى ( مستعلٍ على أبصارهم وبصائرهم لازم لهم، فهم لا يعونه حق الوعي، ولا يبصرون الداعي به حق الإبصار، فلهم به ضلال وداء، فلذلك قالوا ) ومن بيننا وبينك حجاب ( وذلك لما يحصل لهم من الشبه التي هيئت قلوبهم لقبولها، أو يتمادى بهم في الأوهام التي لا يألفون سوى فروعها وأصولها، فقد بان لأن سبب الوقر في آذانهم الحكم بعدم إيمانهم للحكم بإشقائهم، فالآية من الاحتباك : ذكر الهدى والشفاء اولاً دليلاً على الضلال والداء ثانياً، والوقر والعمى ثانياً دليلاً على السمع والبصائر أولاً، وسر ذلك أنه ذكر أمدح صفات المؤمنين وأذم صفات الكافرين، لأنه لا أحقر من أصم أعمى.
ولما بان بهذا بعدهم عن عليائه وطردهم عن فنائه قال :( أولئك ) أي البعداء البغضاء مثالهم مثال من ) ينادون ) أي يناديهم من يريد نداءهم غير الله ) من مكان بعيد ( فهم بحيث لا يتأبى سماعهم، وأما الأولون فهم ينادون بما هيئوا له من القبول من مكان قريب، فهذه هي القدرة الباهرة، وذلك أن شيئاً واحداً يكون لناس في غاية القرب ولناس معهم في مكانهم في أنهى البعد.
ولما كان التقدير : فلقد آتيناك الكتاب على هذه الصفة من العظمة، فاختلفت فيه أمتك على ما أعلمناك به أول البقرة من انقسام الناس فعاقبنا الذين تكبروا عليه أن ختمنا على مشاعرهم، عطف عليه مسلياً قوله مؤكداً لمن يقول من أهل الكتاب إضلالاً : لو كان نبياً ما اختلف الناس عليه ونحو ذلك مما يلبس به :( ولقد آتينا ) أي على ما لنا من العظمة ) موسى الكتاب ) أي الجامع لما فيه هداهم ) فاختلف ) أي وقع الاختلاف ) فيه ) أي من أمته كما وقع في هذا الكتاب لأن الله تعالى خلق الخلق للاختلاف مع ما


الصفحة التالية
Icon