صفحة رقم ٥٨٣
ركب فيهم من العقول الداعية إلى الإنفاق ) ولولا كلمة ) أي إرادة ) سبقت ( في الأزل، ولفت القول إلى صفة الأحسان ترضية بالقدر وتسلية، وزاد بإفراده بالإضافة فقال :( من ربك ) أي المحسن إليك بتوفيق الصالح لاتباعك وخذلان الطالح بالطرد عنك لإراحتك منه من غير ضرر لدينك وبإهمال كل إلى أجل معلوم ثم إمهال الكل إلى يوم الفصل الأعظم من غير استئصال بعذاب كما صنعنا بغيرهم من الأمم ) لقضي ) أي وقع القضاء الفصيل ) بينهم ( المختلفين بإنصاف المظلوم من ظالمه الآن.
ولما علم بهذا وغيره أن يوم القيامة قد قدره وجعله موعداً من لا يبدل القول لديه، فاتضح أنه لا بدلا منه ولا محيد عنه وهو يجادلون فيه، قال مؤكداً :( إنهم لفي شك ) أي محيط بهم ) منه ) أي القضاء يوم الفصل ) مريب ) أي موقع في الريب وهو التهمة والاضطراب بحيث لا يقدرون على التخلص من دائرته أصلاً.
فصلت :( ٤٦ - ٤٨ ) من عمل صالحا.....
) مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي قَالُواْ آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ ( ( )
ولما تقرر بما مضى أن المطيع ناجٍ، وتحرر أن العاصي هالك كانت النتيجة من غير تردد :( من عمل صالحاً ( كائناً من كان من ذكر أو أنثى ) فلنفسه ) أي فنفع عمله لها ببركتها به لا يتعدادها، والنفس فقيرة إلى التزكية بالأعمال الصالحة لأنها محل النقائص، فلذا عبر بها، وكان قياس العبارة في جانب الصلاح.
( ومن عمل سيئاً ) فأفاد العدول إلى ما عبر به مع ذكر العمل أولاً الذي مبناه العلم أن الصالح تتوقف صحته على نيته، وأن السيء يؤاخذ به عامله في الجملة من الله أو الناس ولو وقع خطأ فلذا قال :( ومن أساء ) أي في عمله ) فعليها ) أي على نفسه خاصة ليس على غيره منه شيء.
ولما كان لمقصد السورة نظر كبير إلى الرحمة، كرر سبحانه وصف الربوبية فيها كثيراً، فقال عاطفاً على ما تقديره : فما ربك بتارك جزاء أحد أصلا خيراً كان أو شراً :( وما ربك ) أي المحسن إليك بإرسالك لتتميم مكارم الأخلاق.
ولما كان لا يصح أصلاً ولا يتصور أن ينسب إليه سبحانه ظلم، عبر للدلالة على ذلك بنكرة في سياق النفي دالة على النسبة مقرونة بالجار فقال :( بظلام ) أي بذم ظلم ) للعبيد ) أي الجنس فلا يتصور أن يقع منه ظلم لأحد أصلاً لأن له الغنى المطلق والحكمة البالغة، وعبر ب ( عبيد ) دون عباد لأنه موضع إشفاق وإعلام بضعف وعدم قدرة على