صفحة رقم ٥٨٦
ولذا عبروا بما منه الإذن ) ما منا ( وأكدوا النفي بإدخال الحار في المبتدأ المؤخر فقالوا :( من شهيد ) أي حي دائماً حاضر جون غيبة، مطلع على ما يريد من غير خفاء بحيث لا يغيب عن علمه شيء فيخبر بما يخبر به على سبيل القطع والشهادة، فآل الأمر إلى أن المعنى : لا نعلم أي ما كنا نسميهم شركاء لأنه ما منا من هو محيط العلم.
ولما قرر جهلهم، أتبعه عجزهم فقال :( وضل ) أي ذهب وشد وغاب وخفي ) عنهم ( ولما كانت معبوداتهم إما ممن لا يعقل كالأصنام وإما في عداد ذلك لكونهم لا فعل لهم في الحقيقة، عبر عنهم بأداة ما لا يعقل فقال :( ما كانوا ) أي دائماً ) يدعون ( في كل حين على وجه العادة.
ولما كان دعاؤهم لهم غير مستغرق القبل، أدخل الجار فقال :( من قبل ( فهم لا يرونه فضلاً عن أنهم يجدون نفعه ويلقونه، كأنهم كانوا لما هم عريقون فيه من الجهل وسوء الطبع يتوقعون أن يظفروا بهم فيشفعوا لهم، فلذلك عبر بالظن في قوله :( وظنوا ) أي في ذلك الحال ) ما لهم ( وأبلغ في النفي بإدخال الجار على المبتدأ المؤخر فقال ) من محيص ) أي مهرب وملجأ ومعدل.

فصلت :( ٤٩ - ٥١ ) لا يسأم الإنسان.....


) لاَّ يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِّعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ ( ( )
ولما دل أتباعهم للظن حتى في ذلك اليوم الذي تنكشف فيه الأمور، وتظهر عظائم المقدور، وغلقاؤهم بأيدهم فيه على أنهم في غاية العراقة في الجهل والرسوخ في العجز، أتبع ذلك الدليل على أن ذلك طبع هذا النوع فلا يزال متبدل الأحوال متغير المناهج، إن أحسن بخير انفتح عظمه وتطاول كبراً، وإن مس ببلاء تضاءل ذلاً وأمتلأ ضعفاً وعجزاً، وذلك ضد مقصود السورة الذي هو العلم، بياناً لأن حال هذا النوع بعيد من العلم، عريق الصفات في الجهل والشر إلا من عصمه الله فقال تعالى :( لا يسئم ) أي يمل ويضجر ) الإنسان ) أي من الإنس بنفسه الناظر في أعطافه، الذي لم يتأهل للمعارف الإلهية والطرق الشرعية ) من دعاء الخير ) أي من طلبه طلباً عظيماً، وذلك دال مع شرهه على جهله، فإنه لو كان عالماً بان الخير يأتيه أو لا يأتيه لخفف عن نفسه من جهده في الدعاء ) ) ولو كنت أعلم بالغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ( ) [ الأعراف : ١٨٨ ] ) وإن مسه الشر ) أي هذا النوع قليله وكثيره بغتة من جهة لا يتوقعها


الصفحة التالية
Icon