صفحة رقم ٦٠٨
لا يسمع ما هو مبتدئ ألطف مثيله، أو لا يبصر ما هو مبدئ أظهر مثيله، ولما كان سبحانه وتعالى عليماً بأمثال البادئات قبل كونها كان سميعاً لها بصيراً لها قبل كونها، وإنما يستجد السمع والبصر من يتبع علمه إدراك حسه، لا من هو دائماً سميع بصير بما هو دائماً عليم، فهو سبحانه يسمع الأشياء وإن لم تتسم، ويراها وإن لم تتصور، رؤيته لها وسمعه في خلقها وبريها وتصويرها رؤية دائمة وسمع دائم، والخلق لا يرون الشيء قبل تصوره ولا يسمعونه قبل تكلمه - انتهى.
فقد صرحت الآية بتنزيهه عن مساوٍ في شيء ما، فمن ادعى لأحد مساواته في شيء من صفاته علم أو غيره فقد أشرك به في تلك الصفة وهو أشد ملامة من المشرك بالصنم ونحوه من المخلوقات لأن إشراك هذا ظاهر الوهي واضح الخلل بين السفسفة، وإشراك الأول خفي لا يقدر على حله إلا راسخ وإن كان كل منهما يصير إلى الركاكة والهذيان لأنه لا يسوغ في عقل أن يكون أحد شريكاً لأحد في شيء إلا وهو مساوٍ له في حقيقة الذات، وصالح في الجملة لأن يقوم مقامه في جميع الصفات، فإياك ثم إياك من مزلة ربما استغوى بها الشيطان بعض من يريد الترقي في درجات العرفان، ليخرجه من جميع الأديان.
ولما قرر أمر الوحي بما ثبت به من الإعجاز، وأرهم الآيات في الآفاق، بأن له ما في الوجود، وأنه هو الذي فطره، وكان ربما كان للإنسان شيء ولم يكن كامل التصرف فيه بأن يكون مفاتيح خزائنه مع غيره من شريك أو غيره، وكان ربما اخترع الإنسان بناء وكان لغيره، أخبر إكمالاً لتنزيه الآية السالفة وشرحاً له أنه تعالى ليس كمثله شيء كغيره في هذا أيضاً بل كما كان أن له ما في الخافقين وهو مخترعهما فله مفاتيح خزائنهما، فقال :( له ) أي وحده ) مقاليد السماوات والأرض ) أي خزائنهما ومفاتيح خزائنهما من الأمطار والأنبات وغيرهما وقد ثبت أنه ابتدعهما، وأن له جميع ما فيهما مما اتخذ من دونه ولياً وغيره، قال القشيري : والمفاتيح الخزائن وخزائنه مقدوراته - انتهى.
ولما كان قد حصر الأمر فيه دل عليه بقوله :( يبسط الرزق ) أي الذي فيهما ولا مانع إلا قدرته ) لمن يشاء ) أي أن يبسطه له ) ويقدر ) أي يضيق ويقبض على من يشاء كما وسع على فارس والروم وضيق على العرب وفاوت في الأفراد، بين أفراد من وسع عليهم ومن ضيق عليهم، فدل ذلك قطعاً على أنه لا شريك له وأنه هو المتصرف وحده فقطع بذلك أفكار الموفقين من عباده من غيره ليقبلوا عليه ويتفرغوا له، فإن عبادته هي المقاليد بالحقيقة
٧٧ ( ) استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال ( ) ٧
[ الآية ١٢ : نوح ]
٧٧ ( ) ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ( ) ٧
[ الطلاق : ١١ ]
٧٧ ( ) ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات


الصفحة التالية
Icon