صفحة رقم ٦٤
الفريقين في الدنيا، فقال مهدداً :( أو لم ) أي أيقولون عناداً لرسولنا : أفتراه ولم ) يهد ) أي يبين - كما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ) لهم كم أهلكنا ) أي كثرة من أهلكناه.
ولما كان قرب شيء في الزمان أو المكان أدل، بين قربهم بإدخال الجار فقال :( من قبلهم ) أي لأجل معاندة الرسل ) من القرون ( الماضين من المعرضين عن الآيات، ونجينا من آمن بها، وربما كان قرب المكان منزلاً قرب الزمان لكثرة التذكير بالآثار، والتردد خلال الديار.
ولما كان انهماكهك في الدنيا الزائلة قد شغلهم عن التفكر فما ينفعهم عن المواعظ بالأفعال والأقوال، أشار إلى ذلك بتصوير اطلاعهم على ما لهم من الأحوال، بقوله :( يمشون ) أي أنهم ليسوا بأهل للتفكر إلا حال المشي ) في مساكنهم ( لشدة ارتباطهم مع المحسوسات، وذلك كمساكين عاد وثمود وقوم لوط ونحوهم.
ولما كان في هذا أتم عبرة وأعظم عظة، قال منبهاً عليه مؤكداً تنبيهاً على أن من لم يعتبر منكر لما فيه من العبر :( إن في ذلك ) أي الأمر العظيم ) لآيات ) أي دلالات ظاهرات، مرئيات في الديار وغيرها من الآثار، ومسموعات في الأخبار.
ولما كان السماع هو الركن الأعظم، وكان إهلاك القرون إنما وصل إليهم بالسماع، قال منكراً :( أفلا يسمعون ) أي إن أحوالهم لا يحتاج من ذكرت له في الرجوع عن الغيّ إلى غير سماعها، فإن لم يرجع فهو مم لا سمع له ) أو لم ) أي أيقولون في إنكار البعث : إذا ضللنا في الأرض، ولم ) يروا أنا ( بما لما من العظمة ) نسوق الماء ( من السماء أو الأرض ) إلى الأرض الجزر ) أي التي جزر نباتها أي قطع باليبس والتهشم، أي بأيدي الناس فصارت ملساء لا نبت فيها، وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما : إنها التي لا تمطر إلا مطراً لا يغني عنها شيئاً، قالوا : ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ : جزر، ويدل عليه قوله :( فنخرج به ( من أعماق الأرض ) زرعاً ) أي نبتاً لا ساق له باختلاط الماء بالتراب الذي كان زرعاً قبل هذا، وأشار إلى أنه حقيقة، لا مرية فيه، وليس هو بتخييل كما تفعل السحرة، بقوله مذكراً بنعمة الإبقاء بعد الإيجاد :( تأكل منه ) أي من حبه وورقه وتبنه وحشيشه ) أنعامهم ( وقدمها لموقع الامتنان بها لأن بها قوامهم في معايشهم وأبدانهم، ولأن السياق لمطلق إخراج الرزع، وأول صلاحه إنما هو لأكل الأنعام بخلاف ما في سورة عبس، فإن السياق لطعام الإنسان الذي هو نهاية الزرع حيث قال :( فلينظر الإنسان إلى طعامه ) [ عبس : ٢٤ ] ثم