صفحة رقم ٦٥٢
السياق، ومهما أوهم شيء من ذلك نقصاً فرد المستبصر إلى المحكم من التأويل على ما يقتضيه الشائع من استعمالات رجع رجوعاً بيناً متقناً بحيث يصير في غاية الجلاء.
الشورى :( ٥٢ - ٥٣ ) وكذلك أوحينا إليك.....
) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ ( ( )
ولما كان الوحي روحاً مدبراً للروح كما أن الروح مدبر للبدن، صرح به فقال :( وكذلك ) أي ومثل ما أخبرناك بالكيفيات التي نوحيها إلى عبادنا ) أوحينا إليك ( صارفاً القول إلى مظهر العظمة تعظيماً لما أوحى إليه وأفاض من نعمه عليه على جميع تلك الأقساك، فالتفت في الروع مذكوراً غير منكور، والسماع من دون الحجاب أصلاً منقول في الإخبار عن ليلة المعراج ومعقول في السماع من وراء الحجاب أيضاً ذكر فيها في قوله :( أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ) والوحي بواسطة الملك كثيراً جداً، وأعظم الوحي وشرفه بقوله منكراً تعظيماً لما عنده من الروح الأمري بإفادة أن هذا الكتاب الذي أبكم الفصحاء وأعجز البلغاء وحير الألباب من الحكماء شعبة منه وذرة بارزة عنه، ويمكن أن يكون تنكير تعظيم وإجلال وتكريم ) روحاً ) أي من خالطه صار قلبه حياً ومن عري عنه كان قلبه ميتاً.
وزاد عظمه بقوله :( من أمرنا ) أي بجعله من قسم الأمر وإظهاره مظهر العظمة فيا له من علو يتضاءل دونه كل شامخ ويتحاقر إكباراً له كل مادح، والمراد بهذا رد ما تقدم من نسبتهم له ( ﷺ ) إلى الإفتراء لأنه تعالى لم يختم على قلبه بل فتحه بيد القدرة وأحياء بروح الوحي فأنطقه بالحكم التي خضعت لها الحكماء، وأقرت بالعجز عن إدانتها ألباب العلماء، ودل على ذلك بقوله، نافياً مبيناً حاله ( ﷺ ) قبل هذا الوحي :( ما كنت ) أي فيما قبل الأربعين التي مضت لك وأنت بين ظهراني قومك مساوياً لهم في كونك لا تعلم شيئاً ولا تتفوه بشيء من ذلك وهو معنى ) تدري ( وعبر بأداة الاستفهام إلى أن ما بعدها مما يجب الاهتمام به والسؤال عنه، وعلق بجملة الاستنفهام الدارية عن العمل وسدت مسد مفعولي الدارية ) ما الكتاب ) أي ما كان في جلبتك أن تعلم ذلك بأدنى أنواع العلم بمجادلة ولا غيرها ) ولا الإيمان ) أي بتفصيل الشرائع على ما حددناه لك بما أوحيناه إليك، وهو ( ﷺ ) وإن كان قبل النبوة مقراً بوحدانية الله تعالى وعظمته لكنه لم يكن يعلم الرسل على ما هم عليه،


الصفحة التالية
Icon