صفحة رقم ٧٣
لضاق الأمر، واتسع الخرق، وامتنع الرتق ) وما جعل أدعياءكم ( بما جعل لهم من النسبة والانتساب إلى غيركم ) أبناءكم ( بما جعلتم لهم من الانتساب إليكم ليحل لهم إرثكم، وتحرم عليكم حلائلهم وغير ذلك من أحكام الأبناء، ولا يكون لابن أبوان، ولو جعل ذلك لضاعت الأنساب، وعم الارتياب، وانقلب كثير من الحقائق أيّ انقلاب، فانفتح بذلك من الفساد أبواب أيّ أبواب، فليس زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي الذي تبينته ابناً لك أيها النبي بتبينك له جزاء له باختياره لك على أبيه وأهله، وهذا توطئة لما يأتي من قصة زواج النبي ( ﷺ ) لزينب بنت جحش مطلقة زيد مولى رسول الله ( ﷺ ) فإنه ( ﷺ ) لما تزوجها قال المنافقون كما حكاه البغوي وغيره : تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عن ذلك، فأنزل الله هذه الآية، وبين أن التبني إنما هو مجاز، وأن المحرم إنما هو زوجة الابن الحقيقي وما ألحق به من الرضاع، وذلك أن النبي ( ﷺ ) كان تبنى زيداً بن حارثة رضي الله عنه مولى رسول الله ( ﷺ ) ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن ) ادعوهم لآبائهم (.
لما أبطل سبحانه، استأنف الإخبار عما مضى من عملهم فيه فقال :( ذلكم ) أي القول البعيد عن الحقيقة، وأكد هذا بقوله :( قولكم بأفواهكم ) أي لا حقيقة له وراء القول وتحريك الفم من غير مطابقة قلوبكم، فإن كل من يقول ذلك لا يعتقده، لأن من كان له فم كان محتاجاً، ومن كان محتاجاً كان معرضاً للنفائص كام معرضاً للأوهام، ومن غلبت، عليه الوهام كان في كلامه الباطل ) الله ) أي المحيط علمه وقدرته وله جميع صفات الكمال ) ويقول الحق ) أي الكامل في حقيته، الثابت الذي يوافق ظاهره باطنه، فلا قدرة لأحد على نقضه فإن أخبر عن شيء فهو كما قال، ليس بين الخبر والواقع من ذلك المخبر عنه شيء من المخالفة، وإن أتى بقياس فرع على أصل لم يستطع أحد إبداء فرق، فإن أقواله سبحانه سابقة على الواقع لأنها مصدرة فيها بكون، فإذا قال قولاً وجد مضمونه مطابقاً لذلك القول، فإذا طبقت بينهما كانا سواء، فكان ذلك المضمون ثابتاً كما كان ذلك الواقع ثابتاً، فكان حقاً، هكذا أقواله على الدوام، لأنه منزه سبحانه عن النقائص فلا جارحة ثم ليكون بينها وبين معد القول مخالفة من فم أو غيره وعن كل ما يقتضي حاجة، فالآية من الاحتبك : ذكر الفم أولاً دليلاً على نفيه ثانياً والحق ثابناً دليلاً على ضده الباطل أولاً، وسرّ ذلك أنه ذكر ما


الصفحة التالية
Icon