صفحة رقم ٧٧
ولما ذكره ما أخذ على جميع الأنبياء من العهد في تغيير مألوفاتهم إلى ما يأمرهم سبحانه به من إبلاغ ما يوحى إليهم والعمل بمقتضاه، ذكره ما أخذ عليه من العهد في التبليغ فقال :( ومنك ) أي في قولنا في هذه السورة ) اتق الله واتبع ما يوحى إليك ( وفي المائدة ) ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ( ) [ المائدة : ٦٧ ] فلا تهتم بمراعاة عدو ولا خليل حقير ولا جليل، ولما أتم المراد إجمالاً وعموماً، وخصه ( ﷺ ) من ذلك العموم مبتدئاً به بياناً لتشريفه ولأنه المقصود بالذات بالأمر بالتقوى واتباع الوحي لأجل التبني وغيره، أتبعه للمقام، لأن لم يقصد المفاضلة بينهم، بلا التآسية بالمتقدمين والمتأخرين فقال :( ومن نوح ( أول الرسل إلى المخالفين ) وإبراهيم ( أبي الأنبياء ) وموسى ( أول أصحاب الكتب من أنبياء بني إسرائيل ) وعيسى ابن مريم ( ختامهم، نسبه إلى أمه مناداة على من ضلَّ فيه التوبيخ والتسجيل بالفضيحة ؛ ثم زاد في تأكيد الأمر وتعظيمه تعظيماً للموثق فيه، وإشارة إلى مشتقه، فقال مؤكداً بإعادة العامل ومظهر العظمة لصعوبة الرجوع عن المالوف :( وأخذنا منهم ) أي بعظمتنا في ذلك ) ميثاقا غليظاً ( استعارة من وصف الأجرام العظام كناية عن أنه لا يمكن قطعه لمن أراد الوصلة بنا.
ولما كان الأخذ على النبيين في ذلك اخذاً على أممهم، وكان الكفر معذباً عليه من غير شرط، والطاعة مثاباً عليها بشرط الإخلاص علله، معبراً بما هو مقصود السورة فقال ملتفتاً غلى مقام الغيبة لتعظيم الهيبة لأن الخطاب إذا طال استأنس المخاطب :( ليسأل ) أي يوم القيامة ) الصادقين ) أي في الوفاء بالعهد ) عن صدقهم ( هل هو لله خالصاً أو لا، تشريفاً لهم وإهانة وتبكيتاً للكاذبين، ويسأل الكافرين عن كفرهم ما الذي حملهم عليه، والحال أنه أعد للصادقين ثواباً عظيم ) وأعد للكافرين ) أي الساترين لإشراق أنوار الميثاق ) عذاباً أليماً ( فالآية، من محاسن رياض الاحتباك، وإنما صرح بسؤال الصادق بشارة له بتشريفه في ذلك الموقف العظيم، وطوى سؤال الكفار إشارة غلى استهانتهم بفضيحة الكذب ) ) ويحلفون على الكذب وهو يعلمون ( ) [ المجادلة : ١٤ ] ) ) فيحلفون له كما يحلفون لكم ( ) [ المجادلة : ١٨ ] وذكر ما هو أنكى لهم.
الأحزاب :( ٩ - ١٠ ) يا أيها الذين.....
) يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ ( ( )


الصفحة التالية
Icon