صفحة رقم ٩١
يدلهم على تناهي الغضب، فقال مؤكداً محققاً لأجل إنكارهم :( لقد كان لكم ( أيها الناس كافة الذين المنافقون في غمارهم ) في رسول الله ( الذي جاء عنه لإنقاذكم من كل ما يسوءكم، وجلاله من جلاله المحيط بكل جلال، وكماله من كماله العالي على كل كمال، وهو أشرف الخلائق، فرضيتم مخالطة الأجلاف بدل الكون معه ) أسوة ) أي قدوة عظيمة - على قراءة عاصم بضم الهمزة، وفي أدنى المراتب - على قراءة الباقين بالكسر، تساوون أنفسكم به وهو أعلى الناس قدراً يجب على كل أحد أن يفدي ظفره الشريف ولو بعينه فضلاً عن أن يسوي نفسه بنفسه، فيكون معه في كل أمر يكون فيه، لا يختلف عنه أصلاً ) حسنة ( على قراءة الجماعة بمطلق الصبر في البأساء وأحسنية على قراءة عاصم بالصبر على الجراح في نفسه والإصابة في عمه وأعزّ أهله وجميع ما كان يفعل في مقاساة الشدائد، ولقاء الأقران، والنصيحة لله ولنفسه وللمؤمنين، وعبر عنه بوصف الرسالة لأنه حظ الخلق منه ليقتدوا بأفعاله وأقواله، ويتخلفوا بأخلاقه وأحواله، ونبه على ان الذي يحمل على التآسي به ( ﷺ ) إنما هو الصدق في الإيمان ولا سيما الإيمان بالقيامة، وأن الموجب للرضا جبلة له ) يرجوا الله ) أي في جبلته أنه يجدد الرجاء مستمراً للذي لا عظيم في الحقيقة سواه فيأمل إسعاده ويخشى إبعاده ) واليوم الآخر ( الذي لا بد من إيجاده ومجازاة الخلائق فيه بإعمالهم، فمن كان كذلك حمله رجاؤه على كل خير، ومنعه من كل شر، فإنه يوم التغابن، لأن الحياة فيه دائمة، والكسر فيه لا يجبر.
ولما عبر بالمضارع المقتضي لدوام التجدد اللازم منه دوام الاتصاف الناشئ عن المراقبة لأنه في جبلته، أنتج ان يقال : فأسى رسول الله ( ﷺ ) تصديقاً لما في جبلته من الرجاء، فعطف عليه، أو على ( كان ) المقتضيه للرسوخ قوله :( وذكر الله ( الذي له صفات الكمال، وقيده بقوله :( كثيراً ( تحقيقاً لما ذكر من معنى الرجاء الذي به الفلاح، وأن المراد منه الدائم في حالي السراء والضراء.
ولما أخبر عما حصل في هذه الوقعة من الشدائد الناشئة عن الرعب لعامة الناس، وخص من بينهم المنافقين بما ختمه بالملامة في ترك التأسي بمن أعطاء الله قيادهم، وأعلاه عليهم في الثبات والذكر، وختم بما يثمر الرسوخ في الدين، ذكر حال الراسخين في أوصاف الكمال المتأسين بالداعي، المتفقين للهادي، فقال عاطفاً على ) هنالك ابتلى المؤمون ( :( ولما رأى المؤمنون ) أي الكاملون في الإيمان ) الأحزاب ( الذين أدهشت رؤيتهم القلوب ) قالوا ) أي مع ما حصل لهم من الزلزال