صفحة رقم ١٠٩
صرح بما لوح إيه من أمر المحقين وعطف عليهم أضدادهم، فقال بادئاً بهم على طريق النشر المشوش مفصلاً :( فأما الذين آمنوا ) أي من الأمم الجاثية ) وعملوا ( تصديقاً لدعواهم الإيمان ) الصالحات فيدخلهم ) أي في ذلك اليوم الذي ذكرنا عظمته وشدة هوله ) ربهم ( الذي أحسن إليهم بالتوفيق بالأعمال الصالحة المرضية الموصلة ) في رحمته ) أي تقريبه وإكرامه بجليل الثواب وحسن المآب، وتقول لهم الملائكة تشريفاً : سلام عليكم أيها المؤمنون، ودل على عظيم الرحمة بقوله :( ذلك ( الإحسان العالي المنزلة ) هو ) أي لا غيره ) الفوز (.
ولما كان السياق لغباوتهم وخفاء الأشياء عليهم قال تعالى :( المبين ( الذي لا يخفى على أحد شيء من أمره، لأنه لا يشوبه كدر أصلاً ولا نقص، بخلاف ما كان من أسبابه في الدنيا، فإنها - مع كونها كانت فوزاً - كانت خفية جداً على غير الموقنين ) وأما الذين كفروا ) أي ستروا ما جلته لهم مرائي عقولهم وفطرهم الأولى من الحق الذي أمر الله به ولو عملوا جميع الصالحات غير الإيمان، فيدخلهم الملك الأعظم في لعنته.
ولما كان هذا الستر سبباً واضحاً في تبكيتهم قال :( أفلم ) أي فيقال لهم : ألم يأتكم رسلي، وأخلق لكم عقولاً تدلكم على الصواب من التفكر في الآيات المرئية من المعجزات التي يأتوكم بها وأنزل عليكم بواسطتهم آيات مسموعة فلم ) تكن آياتي ( على ما لها من عظمة الإضافة إليّ وعظمة الإتيان إليكم على ألسنة رسلي الذين هم أشرف خلقي.
ولما كانت هذه الآيات توجب الإيمان لما لها من العظمة بمجرد تلاوتها، بني للمعفول قوله :( تتلى ) أي تواصل قراءتها من أيّ تال كان، فكيف إذا كانت بواسطة الرسل، تلاوة مستعلية ) عليكم ( لا تقدرون على رفع شيء منها بشيء يرضاه منصف ) فاستكبرتم ) أي فتسبب عن تلاوتها التي من شأنها إيراث الخشوع والإخبات والخضوع أن طلبتم الكبر لأنفسكم وأوجدتموه على رسلي وآياتي ) وكنتم ( خلقاً لازماً ) قوماً ) أي ذوي قيام وقدرة على ما تحاولونه ) مجرمين ) أي عريقين في قطع ما يستحق الوصل، وذلك هو الخسران المبين، والآية من الاحتباك : ذكر الإدخال في الرحمة أولاً دليلاً على الإدخال في اللغنة ثانياً، وذكر التبكيت ثانياً دليلاً على التشريف أولاً، وسره أن ما ذكره أدل على شرف الولي وحقارة العدو ) وإذا ) أي وكنتم إذا ) قيل ( من أيّ قائل كان ولو على سبيل التأكيد :( إن وعد الله ( الذي كل أحد يعلم أنه محيط بصفات الكمال ) حق ) أي ثابت لا محيد عنه يطابقه الواقع من البعث وغيره لأن أقل الملوك لا يرضى بأن يخلف وعده فكيف به سبحانه وتعالى فكيف إذا كان الإخلاف


الصفحة التالية
Icon