صفحة رقم ١٣٠
لأن العادة جرت بقبول الإنسان كلام أصله ولو كان واحداً، وأن الاجتماع مطلقاً له تأثير فكيف إذا كان والداً :( أف ) أي تضجر وتقذر واسترذال وتكره مني ولغاتها أربعون - حكاها في القاموس، والمتواتر منها عن القرء ثلاث : الكسر بغير تنوين وهو قراءة الجمهور، والمراد به أن المعنى الذي قصده مقترن بسفول ثابت، ومع التنوين وهو قراءة المدنيين وحفص والمراد به أنه سفول عظيم سائر معالدهر بالغلبة والقهر، والفتح من غير تنوين وهو قراءة ابن كثير وابن عامر ويعقوب، والمراد به اقتران المعنى المقصود بالاشتهار بالعو والانتشار مع الدوام، وقد تقدم في الإسراء عن الحرالي - وهو الحق - أن التأفيف أنهى الأذى وأشده، فإن معناه أن المؤفف به لاخطر له ولا وزن أصلاً، ولا يصلح لشيء بل هو عدم بل العدم خير منه مع أنهى القذر.
ولما كان كأنه قيل : لمن هذا التأفيف ؟ قال :( لكما ( ولما كانا كأنهما قالا له : لم هذا التقذير العظيم بعد الإحسان لا تقدر على جزائنا به، قال مبكتاً موبخاً منكراً على تقدير كونه وعداً :( أتعدانني ) أي على سبيل الاستمرار بالتجديد في كل وقت ) أن أخرج ) أي من مخرج ما يخرجني من الأرض بعد أن غبت فيها وصرت تراباً أحيى كما كنت أول مرة ) وقد ) أي والحال أنه قد ) خلت ) أي تقدمت وسبقت ومضت على سنن الموت ) القرون ) أي الأجيال الكثيرة من صلابتهم، وأثبت الجار لأن القرن لا ينخرم إلا بعد مدرة طويلة، فالانخرام في ذلك غير مستغرق للزمان فقال :( من قبلي ) أي قرناً بعد قرن وأمة بعد أمة وتطاولت الأزمان وأغلبهم يكذب بهذا الحديث فأنا مع الأغلب، وتأيد ذلك بأنه لم يرجع أحد منهم ) وهما ) أي والحال أنهما كلما قال لهما ذلك ) يستغيثان الله ) أي يطلبان بدعائهما من له جميع الكمال أن يعينهما بإلهامة قبول كلامهما، قائلين لولدهما مجتهدين بالنصيحة له بعد الاجتهاد بالدعاء :( ويلك ( كما يقول المشفق إذا زاد به الكرب وبلغ منه الغم، إشارة إلى أنه لم يبق له إن أعرض إلا الويل وهو الهلاك ) آمن ) أي أوقع الإيمان الذي لا إيمان غيره، وهو الذي ينقذ من كل هلكة، ويوجب كل فوز بالتصديق بالعبث وبكل ما جاء عن الله، ثم عللا أمرهما على هذا الوجه مؤكدين في مقابلة إنكاره فقالا :( إن وعد الله ) أي الملك الأعظم المحيط بجميع صفات المهابة والكمال الموصوف بالعزة والحكمة ) حق ) أي ثابت أعظم ثبات لانه لو لم يكن حقاً لكان نقصاً من جهة الإخلاف الذي لا يرضاه لنفسه أقل العرب فكيف وهو يلزم منه منافاة الحكمة بكون الخلق حينئذ على وجه العبث لأنهم عباد ورعايا لا يعرضون على ملكهم الذي أبدعهم مع علمه بما هم عليه من ظلم بعضهم لبعض وبغي بعضم على بعض ) فيقول ( مسبباص عن قولهما ومعقباً له :( ما هذا ( أي


الصفحة التالية
Icon