صفحة رقم ١٨١
يحب لذاته بل لفائدته، وحفظ المروءة أعظم وأفضل وأقوى من التنعم بالأكل الكثير مثلاً.
ولما أخبر ببخلهم لو سئلوا جميع أموالهم أو أكثرها، دل عليه بمن يبخل منهم عما سأله منهم وهو جزء يسير جداً من أموالهم، فقال منبهاً لهم على حسن تدبيره لهم وعفوه عنهم عند من جعل ( ها ) للتنبيه، ومن جعل الهاء بدلاً من همزة استفهام جعلها للتوبيخ والتقريع، لأن من حق من دعاه مولاه أن يبادر للإجابة مسروراً فضلاً أن يبخل، وفي هاء التنبيه ولا سيما عند من يرى تكررها تأكيد لأجل استبعادهم أن أحداً يبخل عما يأمر الله به سبحانه :( هأنتم ( وحقر أمرهم أو أحضره في الذهن وصوره بقوله :( هؤلاء تدعون ) أي إلى ربكم اذي لا يريد بدعائكم إلا نفعكم وأما هو فلا يلحقه نفع ولا ضر ) لتنفقوا ( شيئاً يسيراً من الزكاة وهي ربع العشر ونحوه، ومن نفقة الغزو وقد يحصل من الغنيمة أضعافها وقد يحصل من المتجر أو أكثر، وقد عم ذلك وغيره قوله :( في سبيل الله ) أي الملك الأعظم الذي يرجى خيره ويخشى ضيره، بخلاف من يكون وما يكون به اللهو اللعب.
ولما أخبر بدعائهم، فصلهم فقال تعالى :( فمنكم ) أي أيها المدعون ) من يبخل ( وهو منكم لا شك فيه، وحذف القسم الآخر وهو ( ومنكم من يجود ) لأن المرا الاستدلال على ما قبله من البخل.
ولما كان بخله عمن أعطاه المال بجزء يسير منه إنما طلبه ليقع المطلوب منه فقط زاد العجب بقوله :( ومن ) أي والحال أنه من ) يبخل ( بذلك ) فإنما يبخل ) أي بماله بخلاً صادراً ) عن نفسه ( التي هي منبع الدنايا، فلا تنفس ولا تنافس إلا في الشيء الخسيس، فإن نفع ذلك الذي طلب منه فبخل به إنما هو له، وأكده لأنه لا يكاد أحد يصدق أن عاقلاص يتجاوز بماله عن نفع نفسه، ولذا حذف ( ومن يجد فإنما يجد على نفسه ) لفهمه عن السياق واستغناء الدليل عنه، هذا والأحسن أن يكون ( يبخل ) متضمناً ( يمسك ) ثم حذف ( يمسك ) ودل عليه بحال محذوفة دل عليها التعدية بعن.
ولما كان سؤال المال قد يوهم شيئاً، قال مزيلاً له مقرراً لأن بخل الإنسان إنما هو عن نفسخه عطفاً على ما تقديره : لأن ضرر بخله إنما يعود عليه وهو سبحانه لم يسألكم ذلك لحاجته إليه ولا إلى شيء منكم، بل لحاجتكم إلى الثواب، وهو سبحانه قد بنى أمور هذه الدار كما اقتضته الحكمة على الأسباب :( والله ) أي الملك الأعظم الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال ) الغني ) أي وحده ) وأنتم ( أيها المكلفون خاصة ) الفقراء ( لأن العطاء ينفعكم والمنع يضركم.
فمن افتقر منكم إلى فقير مثله وقع