صفحة رقم ١٩٨
الحقيقة :( وزين ذلك ) أي الأمر القبيح الذي خراب الدنيا ) في قلوبكم ( حتى أحببتموه.
ولما علم أن ذلك سوء، صرح به على وجه يعم غيره فقال :( وظننتم ) أي بذلك وغيره مما يترتب عليه من إظهار الكفر وما يتفرع منه ) ظن السوء ) أي الذي لم يدع شيئاً مما كيره غاية الكراهة إلا أحاط به.
ولما انكشف جميع أمره كشف أُره فقال :( وكنتم ( أ يبالنظر إلى جمعكم من حيث هو جمع في علمنا قبل ذلك بما جبلناكم عليه وعلى ما كشفه الحال عنه من له بصيرة ) قوماً ) أي مع قوتكم على ما تحاولونه ) بوراً ) أي في غاية الهلاك والكساد والفساد، وعدم الخير لأنكم جبلتم على ذلك الفساد، فلا انفكاك لهم عنه، وهذا كما مضى بالنظر إلى الجميع من حيث هو جمع لا بالنسبة إلى كل فرد فإنه قد أخلص منهم بعد ذلك كثير، وثبتوا فلم يرتدوا.
ولما كان التقدير : ذلك لأنكم لم تؤمنوا، فمن آمن منكم ومن غيركم وأخلص، أبحناه جنة وحريراً، عطف عليه قوله معمماً :( ومن لم يؤمن ( منكم ومن غيركم ) بالله ) أي الذي لا موجود في الحقيقة سواه ) ورسوله ) أي الذي أرسله لإظهار دينه وهو الحقيق بالإضافة إليه، معبراً عنه بالاسم الأعظم، وللزيادة في تعظيمه وتحقير شانئه وتوهية كيد التفت إلى مقام التكلم بمظهر العظمة فقال :( فإنا ) أي على ما لنا من العظمة ) أعتدنا ( له أو لهم هكذا كان الأصل، ولكنه قال معلقاً للحكم بالوصف إيذاناً بأن من لم يجمع الإيمان بهما فهو كافر، وإن السعير لمن كان كفره راسخاً فقال تعالى :( للكافرين ) أي الذين لا يجمعون الإيمان بالمرسل والرسول فيكونون بذلك كفاراً، ويستمرون على وصف الكفر لأنهم جبلوا عليه ) سعيراً ) أي ناراً شديدة الإيقاد والتهلب، فهي عظيمة الحر توجب الجنون وإيقاد الباطن بالجوع بحيث لا يشبع صاحبه والانتشار بكل شر، فإن التنكير هنا للتهويل والتعظيم، وهذه الآية مع ما أرشد السياق إلى عطفها عليه ممن يؤمن دالة - وإن كانت في سياق الشرط - على أن أكثرهم يخلص إيمانه بعد ذلك.
ولما انقضى حديث الجنود عامة ثم خاصة من المنتدبين والمخلصين وختم بعذاب الكافرين، وكان المتصرف في الجنود ربما كان بعض خواص الملك، فلا يكون تصرفه فيهم تاماً، وكان الملك قد لا يقدر على عذاب من أراد من جنوده، وكان إذا قدر قد لا يقدر على العذاب بكل ما يريده من السعير الموصوف وغيره لعدم عموم ملكه قال تعالى عاطفاً على آية الجنود :( ولله ) أي الملك الأعظم وحده ) ملك السموات والأرض ) أي من الجنود وغيرها، يدبر ذلك كله كيف يشاء لا راد لحكمه ولا معقب.


الصفحة التالية
Icon