صفحة رقم ٢١١
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً ) ٧٣
( ) ٧١
ولما بين شرط استحقاقهم للعذاب، بين وقته، وفيه بيان لعلته، فقال :( إذ ) أي حين ) جعل الذين كفروا ) أي ستروا ما تراءى من الحق في مرأى عقولهم ) في قلوبهم ) أي قلوب أنفسهم ) الحمية ) أي المنع الشديد والأنفة والإباء الذي هو في شدة حره ونفوذه في أشد الأجسام كالسم والنار، ولما كان مثل هذه الحمية قد تكون موجبة للرحمة بأن تكون لله، قال مبيناً معظماً لجرمها، ) حمية الجاهلية ( التي مدارها مطلق المنع أي سواء كان بحق أو بباطل، فتمنع من الإذعان للحق، ومبناها التشفي على مقتضى الغضب لغير الله فتوجب تخطي حدود الشرع، ولذلك أنفوا من دخول المسلمين مكة المشرفة لزيارة البيت العتيق الذي الناس فيه سواء، ومن الإقرار بالبسملة، فأنتجت لهم هذه الحمية أن تكبروا عن كلمة التقوى وطاشوا وخفوا إلى الشرك الذي هو أبطل الباطل.
ولما كانت هذه الحمية مع الكثرة موجبة ولا بد ذل من تصوب إليه ولا سيما إن كان قليلاً، بين دلالة على أن الأمر تابع لمشيئته لا لجاري العادة أنه تأثر عنها ضد ما تقتضيه عادة، فقال مسبباً عن هذه الحمية :( فأنزل الله ) أي الذي لا يغلبة شيء وهو يغلب كل شيء بسبب حميتهم ) سكينته ) أي الشيء اللائق إضافته إليه سبحانه من الفهم عن الله والروح والموجب لسكون القلب المؤثر للإقدام على العدو والنصر عليه، إنزالاً كائناً ) على رسوله ( ( ﷺ ) الذي عظمته من عظمته، ففهم عن الله مراده في هذه القضية فجرى على أتم ما يرضيه ) وعلى المؤمنين ( رضي الله تعالى عنهم العريقين في الإيمان لأنهم أتباع رسول ( ﷺ ) وأنصار دينه فألزمهم قبول أمره الذي فهمه عن الله وخفي عن أكثرهم حتى فهمتموه ( ﷺ ) عند نزول سورة محمد وحماهم عن همزات الشياطين، ولم يدخلهم ما دخل الكفار من الحمية ليقاتلوا غضباً لأنفسهم فيتعدوا حدود الشرع ) وألزمهم ) أي المؤمنين إلزام إكرام أو تشريف، لا إلزام إهانة وتعنيف ) كلمة التقوى ( وهي كل قول أو فعل ناشىء عن التقوى وإعلاء كلمة الإخلاص المتقدم في سورة القتال وهي لا إله إلا الله التي هي أحق الحق، يقتضي التحقق بمدلولها من أنه لا فاعل إلا الله الثبات على كل ما أخبر به رسول الله ( ﷺ ) من التوحيد والبسملة والرسالة مع تغيير الكتابة بكل منهما لأجل الكفار في ذلك المقام الدحض الذي لا يكاد يثبت فيه قدم، وأضافها إلى التقوى التي هي اتخذا ساتر يقي حر النار فجعلها وصفاً لازماً لهم غير منفك عنهم