صفحة رقم ٢٢٨
ولاه الكوفة فصلى بالناس وهو سكران صلاة الفجر أربعاً ثم قال : هل أزيجكم فعزله عثمان رضي الله عنه.
ولما كان إقدامهم على كثير من الأمور من غير مشاورة لمن أرسله الله رحمة لعباده ليعلمهم ما يأتون وما يذرون عمل من لا يعلم أن رسول الله ( ﷺ ) قريب منه، وكان الإعراض عنه حياً وعن بذلك الجهد في استخراج الأمور من شريعته بعد موته أمراً مفسداً للبين إن لميعتبر ويتنبه له غاية التنبه، أخبرهم به منزلاً لهم منزلة من لا يعلم أنه موجود معه مشيراً بكلمة التنبيه إلى أن من أخل بمراعاة ذلك في عداد الغافلين فقال :( واعلموا ) أي أيها الأمة، وقدم الخبر إيذاناً بأن بعضهم باعتراضه أو بإقدامه على ما لا علم له به يعمل علم من لا يعلم مقدار ما خصه الله به من إنعامه عليه به ( ﷺ )، فهو يفيد توبيخ من فعل ذلك :( أن فيكم ) أي على وجه الاختصاص لكم ويا له من شرف ) رسول الله ) أي الملك الأعظم المتصف بالجلال والإكرام على حال هي أنكم تريدونه أن يتبع أذاكم، وذلك أمر شنيع جداً، فإنه لا يليق أن يتحرك إلا بأمر من أرسله، فيجب عليكم الرجوع عن تلك الحالة، فإنك تجهلون أكثر مما تعلمون، ولإرادتهم إن لا يطيعهم في جميع الأمور عبر بالمضارع فقال :( لو يطيعكم ( وهو لايحب عنتكم ولا شيئاً يشق عليكم ) في كثير من الأمر ) أي الذي تريدونه على فعله من أنه يعمل في الحوادث عل مقتضى ما يعن لكم وتستصوبونه ليكون فعله معكم فعل المطواع لغيره التابع له، فينقلب حينئذ الحال، ويصير المبتوع تابعاً والمطاع طائعاً ) لعنتم ) أي لاءمتم وهلكتم، ومن أراد دائماً أن يكون أمر الرسول الله ( ﷺ ) تابعاً لأمره فقد زين له الشيطان الكفران، فأولئك هم الغاوون، وسباق ( لو ) معلم قطعاً أن التقدير : ولكنه ( ﷺ ) لا يطيعكم لكراهة لما يشق عليكم لما هو متخلق به من طاعة الله والوقوف عند حدوده والتقيد في جميع الحركات والسكنات بأمره، مع ما له من البصرة في التمييز بين الملبسات والخبرة التامة بالأمور المشتبهات، التي هي سبب هلاك الأغلب لكونها لا يعلمها كثير من الناس، والتقييد بالكثير معلم بأنهم يصيبون وجه الرشاد في كثير من الأمور.
ولما كان التقدير حتماً بما هدى إليه السياق : ولو خالفتموه في الأمور التي لا يطيعكم فيها لعنتم، استدرك عنه قوله :( ولكن الله ) أي الملك الأعظم الذي يفعل ما يريد ) حبب إليكم الإيمان ( فلزمتهم طاعته وعشقتم متابعته.
ولما كان الإنسان قد يحب شيئاً وهو يعلم فيه عيباً، فيكون جديراً بأن يتزلزل فيه، نفى ذلك بقوله :( وزينه في قلوبكم ) أي فلا شيء عندكم أحسن منه ولا يعادله ولا يقاربه بوجه ) وكره إليكم الكفر ( وهو تغطية ما أدت إليه الفطرة الأولى والعقول المجردة عن الهوى من الحق


الصفحة التالية
Icon