صفحة رقم ٢٣٧
كما قال الحسن رحمه الله : إنما الفقيه العامل بعلمه.
وقد تقدم أن هذا هو المراد بقوله تعال :
٧٧ ( ) هل يتسوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ( ) ٧
[ الزمر : ٩ ] لما دل عليه سياقها وسباقها، والأتقى لا يفتخر على غيره لأنه لا يعتقد أنه أتقى، قال الرازي في اللوامع : أكرم الكرم التقوى، وهو مجمع الفاضسل الإنسانية، وألأم اللؤوم الفجور، وذلك أن الكرم اسم للأفعال المحمودة، وهذه الأفعال إنما تكون محمودة إذا كانت عن علم، وقصد بها الله، وهذا هو التقوى، فليس التقوى إلا العلم وتحري الأفعال المحمودة - انتهى.
وذلك لأن التقوى تثبت الكمالات وتنفي النقائص فيصير صاحبها بشرياً ملكياً.
ولما كان هذا مركوزاً في طبائعهم مغروزاً في جبلاتهم متوارثاً عندهم أن الفخر إنما هو بالأنساب، وأن الكريم إنما هو من طاب أصله، وكان قلع ذلك من نفوسهم فيما أجبى به سبحانه العادة في دار الأسباب يتوقف على تأكيد، أكد سبحانه معللاً قوله ) خيبر ( محيط العلم بالبواطن والسرائر أيضاً، روى البغوي بسند من طريق عبد الله بن حميد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ( ﷺ ) طاف يوم الفتح على راحلته ليستلم الأركان بمحجنه، فملا خرج لم يجد مناخاً فنزل على أيدي الرجال، ثم قام فخطبهم ثم حمد الله وأثنى عليه وقال :( الحمد لله الذي أذهب عنكم عبية الجاهلية وتكبرها بآبائها، إنما الناس رجلان : برّ تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله - ثم تلا ) يا أيها الناس ( الآية، ثم قال : أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ) وأخرجه أبو داود والترمذي وحسنة والبيهقي - قال المنذري، بإسناد حسن، واللفظ له - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ( ﷺ ) قال قال :( إن الله عز وجل أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس بنو آدم وآدم من تراب، مؤمن تقي وفاجر شقي، لينتهين أقوام يفتخرون برجال إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها ).
ولما أمر سبحانه بإجلال رسوله ( ﷺ ) وإعظامه، ونهى عن أذاه فينفسه أو في أمته، ونهى عن التفاخر الذي ه وسبب التقاطع والتداحر، وختم بصفتة الخبر، دل عليها بقوله مشيراً إلى أنه لا يعتد بشيء مما أمر به أو نهى عنه إلا مع الإخلاص فقال :( قالت الأعراب ) أي أهل البادية من بني أسد وغيرهم الذين هم معدن الغلظة والجفاء الذين تقدم تأديبهم في سورة محمد، وألحق التاء في فعلهم إشارة إلى ضعفهم في العزائم،