صفحة رقم ٢٣٨
قال ابن برجان : هم قوم شهدوا شهادة الحق وهم لا يعلمون ما شهدوا به غير أن أنفسهم ليست تنازعهم إلى التكذيب :( آمنا ) أي بجميع ما جئت به فامتثلنا ما أمرنا به في هذه السورة ولنا النسب الخالص، فنحن أشرف من غيرنا من أهل المدر.
ولما كان الإيمان التصديق بالقلب فلا اطلاع عليه لآدمي إلا بإطلاعه سبحانه فكانوا كاذبين في دعواه، قال :( قل ) أي تذكيباً لهم مع مراعات الأدب في عدم التصريح بالتكذيب :( لم تؤمنوا ) أي لم تصدق قلوبكم لأنكم لو أمنتم لم تمنوا بإيمانكم لأن الإيمان التصديق بجميع ما لله من الكمال الذي منه أنه لولا منه بالهداية لم يحصل الإيمان، فله ولرسوله - الذي كان ذلك على يديه - المن والفضل.
ولما كان التقدير ما كان الأصل في أن يكون الرد به وهو : فلا تقولوا : آمنا، فإنه كذب، وعدل عنه للاحتراز عن النهي عن القول بالإيمان، عطف عليه قوله :( ولكن قولوا ( لأنكم أسلمتم للدنيا لا للدين، وعدل عنه لئلا تكون شهادة لهم بالإسلام في الجملة :( أسلمنا ) أي أظهرنا الانقياد في الظاهر للأحكام الظاهرة فأمنا من أن نكون حزباً للمؤمنين وعوناً للمشركين، يقول : أسلم الرجل - إذا دخل في السلم، كما يقال : أشتى - إذا دخل في الشتاء، ولم يقل : ولكن أسلمتم، لما فيه من الشهادة لهم بالإسلام الملازم للإيمان المنفي عنه، فكان يكون تناقضاً، والآية من الاحتباك : نفي الإيمان الشرعي أولاً يدل على إثبات الإسلام اللغوي ثانياً، والأمر بالقول بالإسلام ثانياً يدل على النهي عن القول بالإيمان أولاً.
ولما كانت ( لم ) غير مستغرقة، عطف عليها ما يستغرق ما مضى من الزمان كله ليكون الحكم بعدم إيمانهم مكتنفاً بأمرهم بالاقتصاد على الإخبار بإسلامهم، فقال معلماً بأن ما يجتهدون في إخفائه منكشف لديه ( ألا يعلم من خلق ).
) ولما يدخل ) أي إلى هذا الوقت ) الإيمان ) أي المعرفة التامة ) في قلوبكم ( فلا يعد إقرار اللسان إيماناً إلا بمواطأة القلب، فعصيتم الله ورسوله ( ﷺ ) وأحبطتم أعمالكم، والتعبير ب ( لما ) يفهم أنهم آمنوا بعد ذلك، ويجوز أن يكون المراد بهذا النفي نفي التمكن في القلب، لا نفي مطلق الدخول بدليل ) إنما المؤمنون ( دون ) إنما الذين آمنوا (.
ولما كان التقدير : فإن تؤمنوا يعلم الله ذلك من قلوبكم غنياً عن قولكم، عطف عليه قوله ترغيباً لهم في التوبة :( وإن تطيعوا الله ) أي الملك الذي من خالفه لم يأمن عقوبته ) ورسوله ( الذي طاعته من طاعته على ما أنم عليه من الأمر الظاهري فتؤمن قلوبكم ) لا يلتكم ) أي ينقصكم ويبخسكم من لاته يليته، وهي لغة أهل الحجاز، وقرأ البصريان : يألتكم من الألت وهو النقص أيضاً، وهي لغة أسد وغطفان، وهما