صفحة رقم ٣١٧
سبحانه تنزل له تنزلاً لا يمكن الاطلاع على كنه رتبته في العلو والعظمة، ثم نزل ثم تنزل.
ولما كانت العبارة ربما أوهمت شياً لا يليق به نفاه ( ﷺ ) بما في الرواية من تخصيص التعبير باسم الجبار فعلم أنه قربه تقريباً يليق به، وسمى ذلك دنواً فكان الدنو والتدلي تمثيلاً لما وصل منه سبحانه إلى عبده محمد ( ﷺ ) بغاية السهولة واليسر واللطافة مع اتصاله بالحرات القدسية، والتعبير بالتدلي لإفهام العلو مثل ما كني بالنزول كل ليلة إلى سماء الدنيا عن أجابة الدعاء بفتح أبواب السماء كما رويناه في جزء العيشي من حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه تمثيلاً بما نعرفه من حا لالملوك في أن أحدهم يكون نزوله عن سريره أدنى في إتيان خواصه إليه، وفتح بابه أدنى لمن يليهم، ولكما نزل درجة كان الإذن أعم إلى أن يصل إلى الإذن العام لجميع الناس، هذا علم المخاطبين بأن ذلك على سبيل التمثيل بمن يحتاج إلى هذه الدرجات، وأما من هو غني عن كل شيء فله سبحانه المثل الأعلى ولا يشبه شيئاً، ولا يشبهه شيء، وفي ) قرآن الفجر ( من سورة سبحان لهذا مزيد بيان، وقال القاضي عياض في الشفاء ما حاصله أن تلك الضمائر للنبي ( ﷺ ) فقال : قال جعفر بن محمد - يعني الصادق بن الباقر : أدناه ربه حتى كان منه كقاب قوسين، وقال أيضاً : انقطعت الكيفية عن الدنو، ألا ترى كيف حجب جبريل عليه السلام عن دنوه ودنا محمد ( ﷺ ) إلى ما أودع قلبه من المعرفة أيضاً : والدنو من الله تعالى لا حد له، ومن العباد بالحدود - انتهى.
وحينئذ يكون ضمير ( استوى ) له صل الله عليه وسلم، ويكون المعنى : فتسبب عن تعليم جبريل له استواوه - أي اعتدال علمه - إلى غاية لم يصلها غيره من الخلق علماً وكسباً بالملك والملكوت والحال أنه بالأفق الأعلى ليلة الإسراء، وتدليه كناية عن وصوله بسبب عظيم حامل السبب للمتدلي، وعبر به وهو ظاهر في النزول من علو مع عدم الانفصال منه لئلا يوهم اختصاص جهة العلو به سبحانه دون بقية الجهات، ومنه ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) وكذا قيل في الإشارة ب ( لا تفضلوني على يونس بن متى ) ومن المحاسن جداً أن تكون ألف ) تدلى ( المقلبة عن ياء في هذا الوجه بدلاً من لام فيكون من التدلل وهو الانبسباط