صفحة رقم ٣١٨
وثوقاً بالمحبة، يقال : تدلل عليه، أي انبسط ووثق بمحبته فأفرط عليه، وانبساطه ( ﷺ ) في تلك الحالة إفراط كثرة سؤاله، وشفاعته في أمته، وبذكل ظهر إلى عالم الشهادة أنه أرحم الخلق كما كان معلوماً إلى عالم الغيب، فتسبب عنه زيادة تقريبه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، وإبراز هذا الكلام في هذه الضمائر المتحملة لهذه الوجوه من غير ظاهر يعين المراد يناسب لتلك الحالة، فإنها كانت حالة غيب وخفاء وستر، وكان العلم فيها واسعاً، وسوق الضمائر هكذا يكثر احتمال الكلام للوجوه، فيتسع العلم مع أنه ليس فيها وجه يؤدي إلى لبس في الدين ولا ركاكة في معنى ولا نظم ولا مجال للعلم - والله أعلم.
النجم :( ١١ - ١٨ ) ما كذب الفؤاد.....
) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ( ( )
ولما أثبت هذا الكلام ما أثبت من القرب من النبي ( ﷺ ) ممن أوحى إليه على كلا التقديرين، قرره على وجه أفاد الرؤية فقال :( ما كذب الفؤاد ) أي القلب ألذي هو في غاية الذكاء والاتقاد ) ما رأى ( البصر أي حين رؤية البصر كان القلب، لا أنها رؤية بصر فقط تمكن فيها - للخلو - عن حضور القلب - النسبة إلى الغلط، وقال القشيري ما معناه : ما كذب فؤاد محمد ( ﷺ ) ما رآه بصره، بل رآه على الوصف الذي علمه قبل أن رآه فكان علمه حق اليقين، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال : سألت رسول الله ( ﷺ ) ( هل رأيت ربك ؟ قال :( نور إليّ أراه (، وفي صحيح مسلم أيضاً عن مسروق أنه قال لعائشة رضي الله عنها لما أنكرت الرؤية : ألم يقل الله تعالى ) ولقد رآه بالأفق المين ( و ) لقد رآه نزلة أخرى ( فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله ( ﷺ ) فقال :( إنما هو جبرئيل عليه السلام، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطاً من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض ( قال البغوي : وذهب جماعة إلى أنه رآه فقال بعضهم : جعل بصره في فؤاده، ثم روي من صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال :( رآه بفؤاده مرتين ( وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه وهو قول أنس رضي الله عنه، وقال ابن برجان ما معناه : إن