صفحة رقم ٣٢٤
على ألسنتها فأي طريقة قويمة شرعت لكم وأي كلام مليح أو بليغ وصل إليكم وأي آية كبرى أرتكموها - انتهى.
ولما عمل بهذا أن الله تعالى لم يأمرهم بشيء من ذلك، صرح به نافياً أن يدل على ما وسموه به دليل فقال :( ما ( ولما قدم في الأعراف ترك النافي للتدريج لما تقدم بما اقتضاه، فنى هنا الإفعال النافي لأصل الفعل سواء كان بالتدريج أو غيره لأن المفصل لباب القرآن فهو للمقاصد، وذلك كاف في ذم الهوى الذي هو مقصود السورة فقال :( أنزل الله ( الذي له جميع صفات الكمال ) بها ) أي بالاستحقاق للأسماء ولا لما وسمتموها به من الإلهية، وأعرق في النفي بقوله :( من سلطان ) أي حجة تصلح مسلطاً على ما يدعي فيها.
ولما كان هذا النفي المستغرق موجباً للخصم إيساع الحيلة في ذكر دليل على أي وجه كان، وكان هؤلاء قد أبلسوا عند سماع هذا الكلام ولم يجدوا ما يقولون ولا يجدوا، فكان من حقهم أن يرجعوا فلم يرجعوا، أعرض عنهم إيذاناً بشديد الغبن قائلاً :( إن ) أي ما ) يتبعون ) أي في وقت من الأوقات في أمر هذه الأوثان بغاية جهدهم من أنها آلهة، وأنها تشفع لهم أو تقربهم من الله ) إلا الظن ) أي غاية أمرهم لمن يسحن الظن بهم، فالظن ترجيح أحد الحائزين على رغم الظان.
ولما كان الظن قد يكون موافقاً للحق مخالفاً للهوى قال :( وما تهوى الأنفس ) أي تشتهي، وهي - لما لها من النقص - لا تشتهي أبداً إلا بما يهوي بها عن غاية أوجها إلى أسفل حضيضها، وأما المعالي وحسن العواقب فإنما تشوق إليها العقل، قال القشيري : فالظن الجميل بالله فليس من هذا الباب، والتباس عواقب الشخص عليه ليس من هذه الجملة بسبيل، إنما الظن المعلول في الله وصفاته وأحكامه.
) ولقد ) أي العجب أنهم يفعلون ذلك والحال أنه قد ) جاءهم من ربهم ) أي المحسن إليهم ) الهدى ) أي الكامل في بابه إلى الدين الحق الناطق بالكتاب الناطق بالصواب على لسان الرسول ( ﷺ )، والرأي يقتضي أن من رأى الهدى تبعه ولو أتاه به عدوه، فكيف إذا أتاه به من هو أفضل منه من عند من إحسانه لم ينقطع عنه قط.
ولما كان التقدير : أعليهم أن يتركوا أهويتهم ويهتدوا بهدى ربهم الذي لا ملك لهم معه ) أم ( لهم ما تمنوا - هكذا كان الأصل، ولكنه ذكر الأصل الموجب لاتباع الهوى فقال :( للإنسان ) أي جاه ومال وطول عمر ورفاهية عيش ومن كفره وعناده، وقوله
٧٧ ( ) لئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ( ) ٧
[ فصلت : ٥٠ ]