صفحة رقم ٣٢٧
ذلك إنما هو من الله، فمن وعظ له سبحانه راجياً منه في إيمانه أوشك أن ينفع به كما فعل في وعظ مصعب بن عمير رضي الله عنه فصغى له أسيد بن حضير وسعد بن معاذ رضي الله عنهما في ساعة واحدة كما هو مشهور ) إن ربك ) أي المحسن إليك بالإرسال وغيره ) هو ) أي وحده ) أعلم بمن ضل عن سبيله ( ضلالاً مستمراً، فلا تعلق أملك بأن يصل علمه إلى ما وراء الدنيا، وعبر بالرب إِارة إلى أن ضلال هذا من الإحسان إليه ( ﷺ ) لأنه لودخل في دنيه لأفسد أكثر مما يصلح كما قال تعالى :
٧٧ ( ) ولا أوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم ( ) ٧
[ التوبة : ٤٧ ] وذلك لأنه جبل جبلة غير قابلة للخير ) أعلم بما اهتدى ) أي ظاهراً وباطناً.
ولما كان هذا ربما أوهم أن من ضل على هذه الحالة ليس في قبضه، قال نافعاً لهذا الإبهام مبيناً أن له الأسماء الحسنى ومقتضياتها في العالم موضع ( والحال أنه له ) أو عطفاً على ما تقديره : فللّه من في السموات ومن في الأرض :( ولله ) أي الملك الأعظم وحده ) ما في السموات ( من الذوات والمعاني فيشمل ذلك السموات والأراضي، فإن كل سماء في التي تليها، والأرض في السماء ) وما في الأرض ( وكذلك الأراضي والكل في العرش وهو ذو العرش العظيم.
ولما أمره ( ﷺ ) بالإعراض عنهم وسلاه وأعلمه أن الكل في ملكه، فلو شاء لهداهم ورفع النزاع، ولكنه له في ذلك حكم تحار فيها الأفكار، علل الإعراض كما تقدم في الجاثية في قوله :
٧٧ ( ) قل للذين آمنوا يغفروا ( ) ٧
[ الجاثية : ١٤ ] بقوله :( ليجزي ) أي يعاقب هو سبحانه كافياً لك ما أهمك من ذلك، ويجوز أن يكون التقدير : وكما أنه سبحانه مالك ذلك فهو ملكه ليحكم بجزاء كل على حسب ما يستحق، فإن الحكم نيتجة الملك ) الذين أساؤوا ( بالضلال ) بما عملوا ) أي بسببه وبحسبه إما بواسطتك وبسيوفك وسيوف أتباعك إذا أذنت لكم في القتال، وإما بغير ذلك بالموت حتف الأنف بضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم، ثم بعذاب الآخرة على جميع ذنوبهم من غير أن يكون عجل لهم في الدنيا شيء ينقص بسببه عذاب الآخرة ) ويجزي ) أي يثبت ويكرم ) الذين أحسنوا ) أي على ثباتهم على الدين وصبرهم عليه وعلى أذى أعدائهم ) بالحسنى ) أي الثبوت الذي هو في غاية الحسن ما بعدها غاية، فإن الحسنى تأنيث الأحسن.
ولما وعد الذين وقع منهم الإحسان، وصفهم فقال :( الذين يجتنبون ) أي يكلفون أنفسهم ويجهدونها على أن يتركوا ) كبائر الإثم ) أي ما عظم الشارع إثمه بعد الحريمه بالوعيد والحد، وعطف على ) كبائر الإثم ( قوله :( والفواحش ( والفاحشة من الكبائر ما يكرهه الطبع وينكره العقل ويستخسّه.