صفحة رقم ٣٢٨
ولما أفهم هذا التقييد أن من خالط ما دون كان مغفوراً له، صرح به فقال :( ألا ) أي لكن ) اللمم ( معفو، فمن خالطه لا يخرج عن عداد من أحسن، فهو استثناء منقطع، ولعله وضع فيه ) إلا ( موضع ) لكن ( إشارة إلى الصغير يمكن أن يكون كبيراً باستهانته مثلاً كما قال تعالى
٧٧ ( ) وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم ( ) ٧
[ النور : ١٥ ] واللمم هو صغار الذنوب، والمراد هنا ما يحصل منها في الأحيان كأنه وقع في صحابه فلتة بغير اختيار منه، لا ما يتخذ عادة أاو يكثر حتى يصير كالعادة، قال الرازي في اللوامع : وأصله مقاربة الذنب ثم الامتناع منه قبل الفعل، قال ذو النون : ذكر الفاحشة من العارف كفلعها من غيره - انتهى.
يقال : وألم بالمكان - إذا قل لبثه فيه، وقال البغوي : قال السدي : قال أبو صالح أنه سئل عن اللمم فقال : هو الرجل يلم بالذنب ثم لا يعاوده، قال : فذكرت ذلك لابن عباس رضي الله عنهما فقال : لقد أعانك عليها ملك كريم، ثم قال البغوي : فأصل الملم والإلمام ما يعمله الإنسان الحين بعد الحين، ولا يكون له إعادة ولا إقامة عليه - انتهىا - وعلى هذا يصح أن يكون الاستثناء متصلاً.
ولما كان الملوك لا يغفرون لمن تكررت ذنوبه إليهم وإن صغرت، فكان السامع يستعظم أن يغفر ملك الملوك سبحانه مثل هذا، علل ذلك بقوله :( إن ربك ) أي المحسن إليك بإرسالك رحمة للعالمين والتخفيف عن أمتك ) واسع المغفرة ( فهو يغفر الصغائر حقاً أوجبه على نفسه ويغفر الكبائر إن شاء بخلاف غيره من الملوك فإنه لو أراد ذلك ما أمكنه اتباعه، ولو جاهد حتى تمكن من ذلك في وقت فسدت مملكته فأدى ذلك إلى زوال الملك من يدره أو اختلاله.
ولما وصف الذين أحسنوا فكان ربما وقع في وهم أنه لا يعلمهم سبحانه إلا بأفعالهم، وربما قطع من عمل بمضمون الآية أنه ممن أحسن، قال نافياً لذلك :( هو أعلم بكم ) أي بذواتكم وأحوالكم منك بأنفسكم ) إذ ) أي حين ) أنشاكم ( ابتداء ) من الأرض ( التي طبعها طبع الموت : البرد واليبس بإنشاءإبيكم آدم عليه السلام منها وتهيئتكم للتكوين بعد أن لم يكن فيكم تقوية قريبة ولا بعيدة أصلاً يميز الثواب الذي يصلح لتكونكم منه والذي لا يصلح ) وإذ ) أي حين ) أنتم أجنة ) أي مستورون.
ولما كان البشر قد يكون في بطن الأرض وإن كان الجنين معروفاً للطفل في البطن، حقق معناه بقوله :( في بطون أمهاتكم ( بعد أن مزج بلك التراب البارد اليابس الماء والهواءن فنشأت الحرارة والرطوبة، فكانت هذه الأربعة الأخلاط الزكية والدنية، ولكن لا علم لكم أصلاً، فهو يعلم إذ ذاك ما أنتم صائرون إليه من خير وشر وإن عملتم