صفحة رقم ٣٣٥
ولما قدم من كان إهلاكهم بنفس الريح التي هي مبدأ الأمطار الآتية لهم في السحاب، وأتبعهم من إهلاكهم بها بحملها للصيحة إرجافها بهم، أتبعهم من كان إهلاكهم بالماء الذي هو غاية السحاب فقال :( وقوم نوح ) أي أهلكهم لأجل ظلمهم بالتكذيب، ولما كان إهلاكهم في بعض لزمان الماضي قال :( من قبل ) أي قبل الفريقين فصار في الكلام تهويلان يهزان القلب ويفعلان في النفس وصف هؤلاء بالقبيلتين وأولئك بالأولى، ولوا تقدميهم ما كان هذا، وعلل هلاكه بما يؤذن أنه لا فرق عنده بين قوي وضعيف وقليل وكثير مؤكداً لان ما اشتهر من طغيان عاد يوجب أنهم أطعى الناس :( إنهم كانوا ) أي بما لهم من الأخلاق التي هي كالجبال التي لا انفكاك عنها ) هم ) أي خاصة ) أظلم ( من الطائفتين المذكورتين ) وأطغى ) أي وأشد تجاوزاً في الظلم وعلواً وإسرافاً في المعاصي وتجبراً وعتواً لتمادي دعوة نوح عليه السلام ولأنهم أطول أعماراً وأشد أبداناً، وكانوا مع ذلك ملء الأرض، ويجوز أن يكون الضمير للفرق الثلاثة.
النجم :( ٥٣ - ٦٢ ) والمؤتفكة أهوى
) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الأُوْلَى أَزِفَتِ الآزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ فَاسْجُدُواْ لِلَّهِ وَاعْبُدُواْ ( ( )
ولما ذكر الهلاك بالريح الاصفة الناشئة عنها ثم بالماء الناشئ عن السحاب الناشئ عن الريح، ذكر الإهلاك بالريح والنار والماء إعلاماً بأنه الفاعل وحده بما أراد من العذاب من العناصر التي سبب الحياة مجتمعة ومنفردة، فقال مقدماً عن العامل إعلاماً بالتخصيص بما ذكر من العذاب إفادة فإنه تعالى قادر على كل شيء فلم يعذب فرقة بما عذب به الأخرى :( والمؤتفكة ) أي المدن المقلبة عن وجوهها إلى أقفائها بقدرة جعلتها من شدتها وعظمتها كأنها انقلبت نفسها من غير قالب وذلك أنه سبحانه فتقها من الأرض ففتقها ثم دفعها في الهواء إلى عنان السماء ثم قلبها وأتبعها حجارة النار الكبريتية وغمرها بالماء الذي لا يشبه شيء من مياه الدنيا، ولذلك قال :( أهوى ) أي رفع وحط وأنزلن فكان الإنزال إهواءً حقيقياً، والرفع مجازياً لأنه سببه وهي مدن قوم لوط عليه السلام، وأشار إلى الحجارة والماء بقوله مسبباً عن الإهواء ومعاقباً له :( فغشاها ) أي أتبعها ما غطاها فكان لها بمنزلة الغشاء، وهولها بقوله :( ما غشى ) أي أمراً عظيماً من الحجارة وغيرها لا يسع العقول وصفه، وقد اشتمل ما ذكره سبحانه من الصحف على بيان ما ينفع من الأعمال وما يضر وبيان التوحيد باحاطة الله سبحانه بالنهايات التي لا نهاية بعدها علماً وقدرة لاختصاصه ببيان المصنوعات


الصفحة التالية
Icon